.
تفسير قوله : {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} الأعراف: 195 والرد على شبهة التجسيم
من كتاب (تأسيس التقديس)
قالوا: فإنه تعالى عاب هذه الأصنام وطعن في كونها آلهة بناء على عدم هذه الأعضاء لها، فلو لم تكن هذه الأعضاء حاصلة لله تعالى لتوجه هذا الطعن هناك. وذلك باطل(*).
والجواب عنه أن يقال: المقصود من هذه الآية شيء آخر، سوى ما ذكرتم. وبيانه: هو أن الكفار الذين كانوا يعبدون الأصنام كانت لهم أرجل يمشون بها، وأيدٍ يبطشون بها وأعين يبصرون بها وآذان يسمعون بها، ولا شك أن المقصود من الرِّجْل واليد والعين والأذن: هو هذه القوى المحركة والمدركة. ولأن هذه الأعضاء كانت حاصلة للكفار وما كانت حاصلة للأصنام وجب القطع بكونهم أشرف وأعلى من تلك الأصنام، فقيل لهم: مالكم تعبدون هذه الأشياء مع أنكم أعلى حالاً وأشرف منصباً منها. فكيف يليق بالعقل إقدامكم على عبادتها؟ والله أعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحواشي السفلية والمراجع:
(*) ومن أولئك المجسمة -وقد تاب- ابن خزيمة الذي يقول في كتابه "التوحيد وإثبات صفات الرب" (1/202المحقق)، طبع مكتبة الرشد الرياض/ الطبعة السادسة 1997م:
[باب ذكر إثبات الرِّجْل لله عز وجل وإن رغمت أنوف المعطلة الجهمية، الذين يكفرون بصفات خالقنا عز وجل التي أثبتها لنفسه في محكم تنزيله، وعلى لسان نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم، قال الله عز وجل يذكر ما يدعو بعض الكفار من دون الله: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلْ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ..}الأعراف:195، فأعلمنا ربنا جل وعلا أن مَنْ لا رِجْل له، ولا يد، ولا عين، ولا سمع فهو كالأنعام بل هو أضل، فالمعطلة الجهمية الذين هم شر من اليهود والنصارى والمجوس كالأنعام بل أضل؛ فالمعطلة الجهمية عندهم كالأنعام بل هم أضل] فتأملوا هذا المنطق الممجوج! ويعني بالجهمية هنا العلماء المنزهين. ولذلك قال الإمام الفخر الرازي عنه في ((تفسيره)) (14/27/151): [واعلم أن محمد بن إسحاق بن خزيمة أورد استدلال أصحابنا بهذه الآية في الكتاب الذي سماه بالتوحيد! وهو في الحقيقة كتاب الشرك، واعترض عليها، وأنا أذكر حاصل كلامه بعد حذف التطويلات لأنه كان رجلاً مضطرب الكلام، قليل الفهم، ناقص العقل، فقال: ((نحن نثبت لله وجهاً ونقول: إن لوجه ربنا من النور والضياء والبهاء ما لو كشف حجابه لأحرقت سُبُحَات وجهه كل شيء أدركه بصره...))...]. تعالى مولانا جلَّ وعزَّ عن ذلك علواً كبيراً!! وجزى الله تعالى الإمام الفخر الرازي خير الجزاء. وقال الحافظ الإمام ابن الجوزي في "دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه" عند الكلام على حديث القَدَم والرِّجْل: [ورأيت أبا بكر بن خزيمة قد جمع كتاباً في الصفات وبوبه فقال: باب إثبات اليد، باب إمساك السموات على أصابعه، باب إثبات الرِّجْل وإن رَغِمَتْ أُنوف المعتزلة، ثم قال: قال الله تعالى: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا} الأعراف: 69. فأعْلَمَنا أن مَنْ لا يد له ولا رِجْل فهو كالأنعام. قلت: وإني لأعجب من هذا الرجل مع علوِّ قَدِرِه في علم النقل، يقول هذا ويثبت لله ما ذم الأصنام بعدمه من اليد الباطشة والرِّجل الماشية، ويلزمه أن يثبت الأُذُن، ولو رُزِقَ الفَهْمَ ما تَكَلَّمَ بهذا، وَلَفَهِمَ أنَّ الله تعالى عاب الأصنام عند عابديها، والمعنى: لكم أيدٍ وأرْجُلٌ فكيف عبدتم ناقصاً لا يد له يبطش ولا رِجْل يمشي بها].
أقول: وقد اعترف ابن خزيمة أخيراً بعد تصنيفه بخطئه في تأليف ذلك الكتاب كما جاء في ((الأسماء والصفات)) ص (267 ـ 269) للإمام الحافظ البيهقي من طريقين، وقال الحافظ البيهقي هناك ص (269): ((وقد رجع محمد بن اسحق ـ ابن خزيمة ـ إلى طريقة السلف وتلهَّف على ما قال)).
تفسير {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَ}
-
الباحث المفكر
- مشاركات: 108
- اشترك في: الأربعاء سبتمبر 03, 2025 8:02 pm
