.
الظواهر التي توهم أن الله عزوجل قابل للتجزيء والتبعيض تعالى عن ذلك علواً كبيراً
من كتاب (تأسيس التقديس)
أما الذي ورد منه في القرآن. فقوله تعالى في حق آدم عليه السلام: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي}(1) الحجر: 29، وقال في مريم عليها السلام: {فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا} الأنبياء: 91، وقوله تعالى في حق عيسى عليه السلام: {وَرُوحٌ مِنْهُ} النساء: 171.
وأما الخبر: فما روى أبو هريرة أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((لما خلق الله آدم ونفخ فيه من روحه عطس آدم، وشكر الله، فقال له ربه: يرحمك ربك))(2). ثم قال: ((هذه تحيتك وتحية ذريتك)).
والتأويل: أن نقول: أما إضافة الروح إلى نفسه فهو إضافة التشريف، وأما النفخ فإنه عبَّر بالسبب عن المسبب، وهذا ما يجب المصير إليه لامتناع أن يكون تعالى قابلاً للتجزيء والتبعيض.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحواشي السفلية والمراجع:
(1) المراد بقوله تعالى: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} الحجر: 29، أي ونفخت فيه من الروح التي خلقتها وأضفتها إليَّ لأُشرِّفَها، وهذا مثل إضافته سبحانه البيت العتيق إليه في قوله: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي}البقرة:125، وقوله في الناقة {فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} الشمس: 13 . فمن اعتقد بعد هذا بأن الله سبحانه وتعالى رُوحٌ وأنه اجتزأ من تلك الروح قطعة فكانت سيدنا آدم أو سيدنا عيسى عليه السلام أو غير ذلك فقد ضلَّ عن عقيدة الإسلام وكان خارجاً عنها!
(2) هذا حديث إسرائيلي صوب النسائي أنه من كلام عبد الله بن سلام الإسرائيلي، أي أنه ليس من كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو مروي عن أبي هريرة والظاهر أنه مما رواه أبو هريرة عن بعض أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وكعب الأحبار، وأبو هريرة من جملة الرواة عن ابن سلام كما في "تهذيب الكمال" (15/75) للحافظ المزي، وكذا اشتهرت رواية أبي هريرة عن كعب الأحبار، والحديث مروي في الصحيحين كما سنبين إن شاء الله تعالى، قال النَّسائي في "السنن الكبرى" (6/63/10047): [أخبرنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا الليث عن ابن عجلان عن سعيد عن أبيه عن عبد الله بن سلام قال: خلق الله آدم في آخر ساعة من يوم الجمعة ثم نفخ فيه من روحه فلما تبالغ فيه الروح عطس فقال الله عز وجل له قل الحمد لله فقال الحمد لله فقال الله رحمك ربك ثم قال له اذهب إلى أهل هذا المجلس من الملائكة فسلم عليهم ففعل فقال هذه تحيتك وتحية ذريتك. قال أبو عبد الرحمن - النسائي -: وهذا هو الصواب والآخر خطأ والذي بعده حديث محمد بن خلف وهو منكر]. والذي بعده هو حديث أبي هريرة هذا المنكر الذي ظاهر إسناده الثبوت. وبذلك انكشف أن أصل هذا الحديث المروي في صحيح البخاري (3326و6227) ومسلم (2841) مما رواه أبو هريرة عن أهل الكتاب وليس عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله وسلم.
والحديث مروي في الصحيحين بألفاظ مختلفة وهو عندنا من جملة الإسرائيليات التي حكاها ابن سلام الإسرائيلي كما قدَّمنا وتبين لنا في "السنن الكبرى" للنَّسائي (6/63). ومن ألفاظه في البخاري (3326) ومسلم (2841) من حديث أبي هريرة: [خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعاً فلما خلقه قال اذهب فسلِّم على أولئك النفر من الملائكة جلوس فاستمع ما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فقال السلام عليكم. فقالوا السلام عليك ورحمة الله. فزادوه ورحمة الله فكل من يدخل الجنة على صورة آدم فلم يزل الخلق ينقص بعد حتى الآن]. وحديث الصورة عندنا من أحاديث الصحيحين الباطلة، وجملة: ((ونفخ فيه من روحه)). ليست في الصحيحين، ورواه الترمذي (3368) بلفظ منكر وهو: ((لمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَنَفَخَ فِيهِ الرُّوحَ عَطَسَ... فَقَالَ اللَّهُ لَهُ وَيَدَاهُ مَقْبُوضَتَانِ: اخْتَرْ أَيَّهُمَا شِئْتَ، قَالَ: اخْتَرْتُ يَمِينَ رَبِّي وَكِلْتَا يَدَيْ رَبِّي يَمِينٌ مُبَارَكَةٌ)). ومنه تتأكد عدم صحة هذا الحديث.
ورواه الترمذي أيضاً (3076) بلفظ وسياق آخر، وكذا ابن سعد (1/28) وابن حبان في صحيحه (14/40) بألفاظ متقاربة من حديث أبي هريرة مرفوعاً.. وقال ابن كثير في ((البداية والنهاية)) (1/87) عقبه: [وقد رواه الحافظ أبو بكر البزار والترمذي والنسائي في اليوم والليلة من حديث صفوان بن عيسى عن الحارث بن عبدالرحمن بن أبي ذباب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الترمذي: حديث حسن غريب من هذا الوجه (أي ضعيف). وقال النسائي: هذا حديث منكر وقد رواه محمد بن عجلان عن سعيد المقبري عن أبيه عن عبدالله بن سلام]. فقد تبين أن هذا الحديث مصدره من الإسرائيليات وأن الإمام النسائي قال بأن روايته عن أبي هريرة مرفوعاً خطأٌ، وهو حديث منكر. وقد كرَّره المصنف فانظره عند تعليقنا على هذا الكتاب في التعليق رقم (197).
الظواهر التي توهم أن الله عزوجل قابل للتجزيء والتبعيض تعالى عن ذلك علواً كبيراً
-
الباحث المفكر
- مشاركات: 108
- اشترك في: الأربعاء سبتمبر 03, 2025 8:02 pm
