تفسير الآيات التي جاء فيها لفظ (اليد) في حق الله تعالى والرد على شبه التجسيم
من كتاب (تأسيس التقديس)
اعلم أن هذه اللفظة وردت في القرآن والأخبار.
أما القرآن: فقد وردت هذه اللفظة بصيغة الواحد تارة، وبصيغة التثنية تارة وبصيغة الجمع أخرى. أما صيغة الواحد فكقوله تعالى:{يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} الفتح:10 وحكى عن اليهود أنهم قالوا: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} المائدة:64، وقال: {فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} يس:83، وأما التثنية فكقوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}(1) ص: 75، وقوله {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}المائدة: 64. وأما الجمع فكقوله تعالى: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ} يس:71.
وأما الأخبار فكثيرة، الأول: ما روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((التقى آدم وموسى، فقال موسى: أنت الذي خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، ونفخ فيك من روحه، وأمرك بأمر فعصيته، فأخرجك من الجنة. فقال آدم: يا موسى اصطفاك الله بكلامه، وخط لك التوراة بيده. أفتلومني على أمر قد قدَّره الله علي، قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟ قال: فحج آدم موسى))(2).
وهذا الخبر اشتمل على أن موسى عليه السلام أثبت اليد لله تعالى، وكذلك (سيدنا) آدم عليه السلام قال بذلك.
الثاني: روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((لَمَّا خَلَق الله تعالى الخَلْق كتب بيده على نفسه: إن رحمتي سبقت غضبي))(3).
الثالث: روى عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((إنَّ الله يفتح أبواب السماء في ثلث الليل الباقي فيبسط يده، فيقول: ألا عبد يسألني فأعطيه. ولا يزال كذلك حتى يطلع الفجر))(4).
الرابع: روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((إنَّ أحدكم ليتصدق بالتمرة إذا كانت من الطيب ولا يقبل الله الا طيباً فيجعلها الله في يده اليمنى يربيها كما يربّى أحدكم فَلُوَّهُ وفَصِيْلَهُ حتى تصير مثل أُحُد))(5).
الخامس: الحديث المشهور وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( إن الصدقة لتقع في يدي الرحمن قبل أن تقع في يد الفقير))(6).
السادس: ما تواتر النقل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يقول: ((والذي نفسي بيده))(7).
السابع: قوله عليه السلام: ((إن الله خمَّر طينة آدم بيده أربعين صباحاً))(8). والأحاديث في هذا الباب كثيرة.
واعلم أن لفظ اليد حقيقة في هذه الجارحة المخصوصة إلا أنه يستعمل على سبيل المجاز في أمور غيرها:
فالأول: أنه يستعمل لفظ اليد في القدرة، يقال: يد السلطان فوق يد الرعية. أي: قدرته غالبة على قدرتهم. والسبب في حسن هذا المجاز: أن كمال حال هذا العضو إنما يظهر بالصفة المسماة بالقدرة. ولما كان المقصود من اليد حصول القدرة أطلق اسم القدرة على اليد. وقد يقال: هذه البلدة في يد الأمير، وإن كان الأمير مقطوع اليد. ويقال: فلان في يده الأمر والنهي والحل والعقد. والمراد: ما ذكرناه.
والثاني: إن اليد قد يراد بها النعمة، يقال لفلان عندي يد لا أنساها أبد الدهر والمراد منه النعمة، وإنما حسن هذا المجاز، لأن اليد آلة لإعطاء النعمة.فأطلق اسم اليد على النعمة، إطلاق لاسم السبب على المسبب.
الثالث: إنه قد يذكر لفظ اليد صلة للكلام على سبيل التأكيد. كقولهم: يداك أوكتا. ويقرب منه: قوله تعالى: {فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} المجادلة: 12، وقوله: {بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} الأعراف: 57، فإن النجوى كما الرحمة لا يكون لهما هذان العضوان المسميان باليدين.
إذا عرفت هذه المقدمة فنقول: أما قوله تعالى: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِم}الفتح: 10، فالمعنى: أن قدرة الله تعالى غالبة على قدرة الخلق. وأما قوله تعالى حكاية عن اليهود أنهم قالوا: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} المائدة: 64، فاليد ههنا بمعنى النعمة. والدليل عليه: أن اليهود إما أن يقال: إنهم مُقِرُّون بإثبات الخالق، أو يقال: بأنهم منكرون له. فإن أقرُّوا به، امتنع أن نقول: إن خالق العالم مَغْلُولٌ مُقَيّدٌ. فإن ذلك لا يقوله عاقل. وإن أنكروه لم يكن للقول بكونه مغلولاً فائدة.
فثبت أن المراد: أنهم كانوا يعتقدون أن نعم الله تعالى محبوسة عن الخلق، ممنوعة عنهم، فصارت هذه الآية من أقوى الدلائل على أن لفظ اليد قد يراد به النعمة.
وأما قوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} المائدة: 64، فالمراد منه أيضاً: النعمة. ويدل عليه وجهان:
الأول: أن هذا ورد في معرض الجواب عن قول اليهود: {يَدُ اللَّهِ
مَغْلُولَةٌ} المائدة: 64، ولما بينا بالدليل أن قولهم: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} المائدة: 64، ليس معناه الغل والحبس، بل معناه: احتباس نعم الله تعالى عنهم، وجب أن يكون قوله: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} المائدة: 64، عبارة عن كثرة نعم الله تعالى وشمولها للخلق، حتى يكون الجواب مطابقاً للسؤال.
والثاني: إن قوله: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} المائدة: 64، لو حملناه على ظاهره، لزم كون يديه مبسوطتين، مثل يد صاحب التسبيح تعالى الله عنه.
فثبت أن المراد منه: إفاضة النعم.
وأما قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}ص: 75، فنقول: للعلماء فيه قولان:
القول الأول: إن اليدين صفتان قائمتان بذات الله تعالى يحصل بهما التخليق على وجه التكريم والاصطفاء، كما في حق آدم عليه السلام.
واحتج القائلون بهذا القول. بوجوه:
الأول: إن قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} ص: 75، مشعر بأنه تعالى إنما جعل آدم مسجود للملائكة لأنه تعالى خلقه بيديه. فلو كانت اليد عبارة عن القدرة لكانت علة هذه المسجودية حاصلة في كل المخلوقات، فوجب حصول هذا الحكم في الكل، وحيث لم يحصل علمنا أن اليد صفة سوى القدرة.
والثاني: أن قدرة الله تعالى واحدة، واليد موصوفة بالتثنية.
والثالث: أن قوله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} ص: 75، يدل على كونه مخصوصـاً بأنه مخلوق. والتخصيص بالذكر يدل على نفي الحكم عما عداه. فوجب في كل من سوى آدم عليه السلام أن لا يكونوا مخلوقين باليدين، ولا شك أنهم مخلوقون بالقدرة. وذلك يقتضي أن تكون اليد شيئاً سوى القدرة.
والقول الثاني: إن اليد ههنا هي القدرة. ويدل عليه وجوه:
الأول: أن القدرة عبارة عن الصفة التي يكون الموصوف بها متمكناً من الإيجاد والتكوين. ونقل الشيء من العدم إلى الوجود. ولما كان المسمى باليد كذلك كان ذلك المعنى نفس القدرة.
والثاني: أن قدرة الله تعالى صفة قديمة واجبة الوجود، فيجب تعلقها بكل ما يصح أن يكون مقدوراً. وإلا لزم افتقارها في ذلك الاختصاص إلى المخصص. لكن المصحح (أو المخصص) للمقدورية هو الإمكان وهذا يقتضي أن يكون كل ممكن مقدوراً لله تعالى، ولا شك أن وجود آدم عليه السلام من الممكنات، فيكون وجود آدم من جملة متعلقات قدرة الله تعالى فلو فرضنا صفة أخرى مستقلة بإيجاد هذا الممكن، لزم أن يجتمع على الأثر الواحد مؤثران مستقلان وذلك محال.
والثالث: إن إثبات صفة سوى القدرة مؤثرة في وجود آدم مما لا دليل على ثبوتها، فلم يجز إثباتها لانعقاد الإجماع على أن إثبات صفة من صفات الله تعالى من غير دليل لا يجوز.
فأما الجواب عن القول الأول: عما تمسكوا به أولاً: فهو أنه لو كان تخليق آدم باليدين يوجب مزيد الاصطفاء لكان تخليق البهائم والأنعام بالأيدي يوجب رجحانها على آدم في هذا الاصطفاء، لقوله تعالى في صفة تخليقها: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ}يس:71. ثم نقول: لم لا يجوز أن يكون معنى قوله تعالى: {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}ص: 75، : هو بيان لكثرة عناية الله تعالى في إيجاده وتكوينه. فإن الإنسان إذا أراد المبالغة في إصلاح بعض المهمات، وفي تكميله، فقد يقول: هذا الشيء أعمله بيدي. ومن المعلوم أن التخليق مع هذا النوع من العناية، ما كان حاصلاً في حق غير آدم عليه السلام.
والجواب عما تمسكوا به ثانياً: إن التثنية لا تدل على حصول العدد، بدليل: قوله تعالى: {فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} المجادلة: 12. وقوله: {بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} النمل: 63.
والجواب عما تمسكوا به ثالثاً: إن التخصيص بالذكر هب أنه يدل على نفي الحكم عما عداه لكننا بينا: أن التخليق باليدين عبارة عن التخليق المخصوص بمزيد الكرامات والتشريفات، وهذا المجموع ما كان حاصلاً في حق غير (سيدنا) آدم عليه السلام.
وأما الأحاديث(9): فنقول: أما قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((خلق الله آدم بيده، وكتب التوراة بيده))، فذلك يدل على أن المراد منه: التخصيص بمزيد الكرامة وكذا قوله: ((كتب بيده على نفسه أن رحمتي سبقت غضبي)). وأما قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن الله يفتح أبواب السماء في ثلث الليل الباقي فيبسط يده)) فالمراد: إفاضة النعمة وإيصال الرحمة والمغفرة إلى المحتاجين، وأما قوله: ((الصدقة تقع في يد الرحمن)). فالمراد منه: شدة العناية بقبول تلك الصدقات، وتكثير الثواب عليها. وكذا المراد بقوله: ((خمر طينة آدم بيده)). وأما قوله عليه السلام: ((والذي نفسي بيده)) فالمراد باليد هنا القدرة.
والذي يدل على أنّ هذه الألفاظ يجب تأويلها: أن قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((الصدقة تقع في يد الرحمن)). ليس المراد منه اليد بمعنى العضو والجارحة. ويدل عليه وجوه:
الأول: أنا نشاهد أن تلك الصدقة ما وقعت إلا في يد الفقير. فالقول بأنها وقعت في يد أخرى هي عضو مركب من الأجزاء والأبعاض، مع أنا لا نراها ولا نحس بها، تشكيك في الضروريات.
الثاني: هذا يقتضي أن تكون يد الله ظرفاً لصدقات العباد. وذلك على خلاف ظاهر قوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}المائدة: 64.
الثالث: أن ذلك يقتضي أن تكون يد المعطي فوق يد المعبود حتى يمكنه أن يضع الصدقة في يد الرحمن. وذلك مناقض لظاهر قوله تعالى: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} الفتح: 10.
الرابع: أن ذلك يقتضي أن يكون هو على العرش ويده في الأرض، وذلك لا يقوله عاقل. فثبت: أنه لا بُدَّ في هذه الظواهر من التأويلات. والله تعالى أعلم بالصواب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحواشي السفلية والمراجع:
(1) تفسيرها عندنا: (ما منعك أن تسجد لما خلقته أنا ولم يخلقه غيري) ودليله قوله تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} آل عمران:59، و{كُنْ فَيَكُونُ} عبارة عن سرعة الإيجاد كما في "البحر المحيط" (1/316) للحافظ أبي حيان (654-745هـ). ولأن كل شيء خلقه الله تعالى بيده، أي بذاته، ولكن تخصيص الشيء بالذكر يفيد الفضل والتنويه، ولاحظ أنه حتى الأنعام خلقها الله تعالى بيده، قال سبحانه {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ}يس: 71، واليدان تفيدان ذات الأمر كما جاء في قوله تعالى: {إِنْ هُوَ إِلا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ}سبأ: 46، وقوله تعالى: {فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً}المجادلة: 12، {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ}الأعراف: 57. وقال سبحانه عن كتابه الكريم: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}فصلت: 42. والقرآن ليس له يدين.
(2) هذا حديث شاذ مردود وهو من جملة الإسرائيليات، رواه البخاري (6614) ومسلم (2652) من حديث أبي هريرة. بإثبات لفظ (اليد)، وله رويات أخرى في الصحيحين ليس فيها ذِكْرُ (اليد)، وهو مردود، لأن سيدنا موسى عليه السلام لا يخاطب أبا الأنبياء والبشر بمثل هذا الخطاب الذي فيه نوع من عدم الاحترام لسيدنا آدم عليه السلام وهو الأب والرسول الأول، ولأن فيه الاحتجاج بالقدر المفيد بأن الإنسان مجبورٌ مُكْرَهٌ مُسَيَّر وليس مخيراً وهي عقيدة باطلة، وقد رواه البخاري (4736) وليس فيه ذكر اليد! ولفظه: ((الْتَقَى آدَمُ وَمُوسَى فَقَالَ مُوسَى لآدَمَ: آنْتَ الَّذِي أَشْقَيْتَ النَّاسَ وَأَخْرَجْتَهُمْ مِنْ الْجَنَّةِ؟ قَالَ آدَمُ: أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَاصْطَفَاكَ لِنَفْسِهِ وَأَنْزَلَ عَلَيْكَ التَّوْرَاةَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَوَجَدْتَهَا كُتِبَ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي؟ قَالَ: نَعَمْ. فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى)). ولفظ رواية مسلم (2652): ((تَحَاجَّ آدَمُ وَمُوسَى فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى فَقَالَ لَهُ مُوسَى: أَنْتَ آدَمُ الَّذِي أَغْوَيْتَ النَّاسَ وَأَخْرَجْتَهُمْ مِنْ الْجَنَّةِ؟ فَقَالَ آدَمُ: أَنْتَ الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ عِلْمَ كُلِّ شَيْءٍ وَاصْطَفَاهُ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَتِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قُدِّرَ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ)). والمتأمّل لهذه النصوص يدرك نكارتها ويفهم لم حكمنا عليها بالشذوذ والرد.
(3) شاذ منكر بإثبات لفظة (بيده). رواه ابن خزيمة في كتاب التوحيد (6)، وابن حبان في صحيحه (14/14)، والترمذي (3543)، وابن ماجه (4295) وأحمد (2/433)، قال المُعَلِّقون على مسند أحمد: [إسناده جيد... وزيادة " بيده " شاذة لم يروها عن أبي هريرة سوى ابن عجلان خالف في ذلك من هو أوثق منه... وقد وقعت هذه الزيادة في حديث شريك النخعي عن الأعمش (9148) وذكرنا هناك أنها زيادة منكرة في حديث الأعمش]. وجاء في القرآن الكريم ذِكْرُ الكتابة دون ذِكْر اليد، قال تعالى: {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} الأنعام: 12. {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} الأنعام: 54. والحديث مروي عن أبي هريرة في الصحيحين وليس فيه ذكر اليد ومن ألفاظه ما في صحيح مسلم (2751): ((قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ سَبَقَتْ رَحْمَتِي غَضَبِي)). وقد ذكرت في التعليق على كتاب العلو على الحديث رقم (61) أن لفظة: (فهو عنده فوق العرش) لا تثبت أيضاً.
(4) رواه ابن خزيمة في التوحيد (66) بهذا اللفظ من حديث ابن مسعود وإسناده ضعيف بإبراهيم الهجري، ورواه بعضهم كأحمد في "المسند" (1/388) بلفظ: ((إِذَا كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْبَاقِي يَهْبِطُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَفْتَحُ أَبْوَابَ السَّمَاءِ ثُمَّ يَبْسُطُ يَدَهُ..)). وظاهر إسناده الصحة وهو شاذ منكر بزيادة الهبوط، وقد رواه ابن عساكر في تاريخه (55/237) بنفس الإسناد وليس فيه ذكر (الهبوط إلى السماء الدنيا)، وحديث نزول المولى إلى السماء الدنيا مردود عندنا وإن روي في الصحيحين، والصواب أنه من جملة الإسرائيليات، وقد بينا ذلك بإسهاب فيما مضى هنا في الكلام على روايات حديث النزول وفي التعليق على الحديث رقم (208) في كتاب العلو. ولو ثبت (ولا يثبت) فالمعتمد فيه ما رواه النسائي في الكبرى (6/124 برقم 10316) وعمل اليوم والليلة (482) من حديث أبي سعيد وأبي هريرة مرفوعاً: ((إنّ الله عز وجل يُمْهِلُ حتى يمضي شطر الليل الأوّل ثم يأمرُ منادياً ينادي يقول: هل من داع يستجاب له؟ هل من مستغفر يغفر له؟ هل من سائل يُعطى؟)) وما رواه أحمد (4/22 و217) والبزار (4/44 كشف الأستار) والطبراني في الكبير (9/51) والأوسط (3/154) عن عثمان بن أبي العاص الثقفي مرفوعاً: ((تفتح أبواب السماء نصف الليل، فينادي منادٍ: هل من داع فيستجاب له، هل من سائل فيعطى، هل من مكروب فيُفرّج عنه، فلا يبقى مسلم يدعو بدعوةٍ إلا استجاب الله عز وجل له إلا زانية تسعى بفرجها أو عشاراً)) وهو صحيح الإسناد وانظر ((مجمع الزوائد)) (10 / 209)، وفيه: ((رواه الطبراني: ورجاله رجال الصحيح)). وصححه متناقض عصرنا في صحيحته (1073).
(5) الظاهر أن الصواب في هذا الحديث أنه موقوف على أبي هريرة كما رواه ابن خزيمة في التوحيد (70) ونص على وقفه كما يأتي في التعليق رقم (203). ويأتي في التعليق التالي أنه مروي أيضاً عن ابن مسعود موقوفاً. وإذا كان الصواب وقفه على أبي هريرة فهو من جملة الإسرائيليات التي رواها عن كعب الأحبار. وقد وجدته عن وهب بن منبه عن كعب عن فضالة، قال أبو نعيم في "الحلية" (4/81): [حدثنا حبيب بن الحسن، حدثنا محمد بن حيان، حدثنا عمرو بن الحصين، حدثنا ابن علاثة، عن ثور، عن وهب بن منبه، عن كعب، عن فضالة بن عبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الصدقة لتقع في يد الله قبل أن تقع في يد السائل، وإن الله ليدفع بها سبعين باباً من مخازي الدنيا، منها الجذام والبرص وسيئ الأسقام سوى ما لصاحبها من الأجر في الآخرة". غريب من حديث وهب بن منبه لم نكتبه إلا من حديث علاثة عن ثور]. وقد رواه بهذا اللفظ ابن خزيمة في كتاب
التوحيد (73)، والحديث رواه البخاري (1410) ومسلم (1014). واللفظ عندهما في هذا الموضع: ((لَا يَتَصَدَّقُ أَحَدٌ بِتَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ إِلَّا أَخَذَهَا اللَّهُ بِيَمِينِهِ فَيُرَبِّيهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ قَلُوصَهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ أَوْ أَعْظَمَ)). دون ذكر لفظ (الكف) وزيادة ذكره في بعض الروايات عند مسلم هناك وهي عندنا من تصرف الرواة، فالظاهر أن هذا متلقى من الإسرائيليات. وإذا ترجَّح عند المجتهد الحاذق احتمال كونه من الإسرائيليات فلا يُحتج به. ورواه ابن حبان في صحيحه (1/504) بلفظ: ((.. إلا كأنما يضعها في يد الرحمن فيربيها له كما يربي أحدكم فَلُوَّه..)). قال ابن حِبَّان عقبه مؤوِّلاً: [قوله صلى الله عليه وسلم: (إلا كأنما يضعها في يد الرحمن) يبين لك أن هذه الأخبار أطلقت بألفاظ التمثيل دون وجود حقائقها أو الوقوف على كيفيتها إذ لم يتهيأ معرفة المخاطب بهذه الأشياء إلا بالألفاظ التي أطلقت بها]. ولاحظ هنا أن الحافظ ابن حِبَّان من المؤوِّلة ومن المُنَزِّهة ومن مُحِبي آل البيت، قال ابن حِبَّان في "الثقات" (8/456): [وما حَلَّتْ بي شِدّة في وقت مقامي بطوس فزرتُ قبرَ على بن موسى الرضا صلوات الله على جده وعليه ودعوت الله إزالتها عنى إلا أُستجيب لي وزالت عنى تلك الشِّدَّة، وهذا شيء جرَّبته مراراً فوجدته كذلك، أماتنا الله على محبة المصطفى وأهل بيته صلى الله عليه وسلم الله عليه وعليهم أجمعين].
(6) هذا الحديث لم أجده بهذا اللفظ! وإنما وجدته موقوفاً على عبد الله بن مسعود بلفظ: (إن الصدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في يد السائل). رواه الطبراني في الكبير (9/109) وظاهر إسناده حَسَن، ورواه البيهقي في شعب الإيمان (5/168) عن ابن عباس رفعه قال: ((مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ شَيْئًا قَطُّ، وَلا مَدَّ عَبْدٌ يَدَهُ بِصَدَقَةٍ قَطُّ إِلا وَقَعَتْ فِي يَدَيِ اللهِ قَبْلَ أَنْ تَقَعَ فِي يَدِ السَّائِلِ، وَلا فَتْحَ عَبْدٌ عَلَيْهِ بَابَ مَسْأَلَةٍ لَهُ عَنْهَا غِنًى إِلا فَتْحَ اللهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ)) , قال الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء" (669): [أخرجه الدارقطني في الأفراد من حديث ابن عباس وقال: غريب من حديث عكرمة عنه. ورواه البيهقي في الشعب بسند ضعيف]. ورواه القاسم بن سلام في كتاب "الأموال" (736) وحمزة بن يوسف في "تاريخ جرجان"
ص (495) من حديث أبي هريرة مرفوعاً بلفظ: ((إن الصدقة لتمنع ميتة السوء , وإنها لتقع في يد الله قبل أن تقع في يد السائل)). وهو ضعيف جداً في إسناده يحيى بن عبيد الله المديني قال أبو حاتم كما في "الجرح والتعديل" (9/167): [ضعيف الحديث منكر الحديث جداً].
(7) صحيح. مروي في أحاديث كثيرة منها ما رواه البخاري (14) عن أبي هريرة، ومسلم (45) عن أنس. وليس فيه دلالة على اليد التي يرومون إثباتها.
(8) موضوع من الإسرائيليات. قال الدارقطني في "العلل" (5/338): [وسئل عن حديث أبي عثمان النهدي عن ابن مسعود قال: ((إن الله تعالى خمر طينة آدم))، فقال: يرويه سليمان التيمي عن أبي عثمان عن سلمان أو ابن مسعود موقوفاً وهو الصحيح، ومن رفعه فقد وهم]. وقد رواه ابن سعد في طبقاته (1/27) بسند صحيح عن سلمان رضي الله عنه إلا إنه كما أسلفنا من الإسرائيليات الباطلة. قال البيهقي في الأسماء والصفات (717): [هذا موقوف، ورواه غيرهما عن سليمان التيمي، فقال: عن سلمان من غير شك، ومعلوم أنَّ سلمان كان قد أخذ أمثال هذا من أهل الكتاب حتى أسلم بعد، وروي ذلك من وجه آخر ضعيف عن التيمي مرفوعاً، وليس بشيء]. وقال الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء" (4/127): [رواه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث ابن مسعود وسلمان الفارسي بإسناد ضعيف جداً وهو باطل].
(9) أي على فرض ثبوت تلك الأحاديث وقد قدمنا الكلام عليها.
تفسير الآيات التي جاء فيها لفظ (اليد) في حق الله تعالى والرد على شبه التجسيم
-
الباحث المفكر
- مشاركات: 108
- اشترك في: الأربعاء سبتمبر 03, 2025 8:02 pm
