تفسير الآيات التي جاء فيها لفظ (العين) في حق الله تعالى وبيان أن لا دليل فيها على التجسيم

تفسير آية أو آيات كريمة
أضف رد جديد
الباحث المفكر
مشاركات: 108
اشترك في: الأربعاء سبتمبر 03, 2025 8:02 pm

تفسير الآيات التي جاء فيها لفظ (العين) في حق الله تعالى وبيان أن لا دليل فيها على التجسيم

مشاركة بواسطة الباحث المفكر »

تفسير الآيات التي جاء فيها لفظ (العين) في حق الله تعالى وبيان أن لا دليل فيها على التجسيم

من كتاب (تأسيس التقديس)

احتجوا على ثبوتها بالقرآن، والأخبار.
أما القرآن: فقوله تعالى لنوح عليه السلام: {وَاصْنَعْ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا} هود: 37، و (لسيدنا) موسى عليـه السلام: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} طه: 39، و (لسيدنا) محمد صلى الله عليه وآله وسلم: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} الطور: 48.

وأما الأخبار: فروى صاحب شرح السنة في باب ((ذِكْرِ الدَّجَّال)) عن ابن عمر قال: قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الناس فأثنى على الله بما هو أهله، ثم ذكر الدَّجال، فقال: ((إني لأنذركموه وما من نبي إلا أنذر قومه، ولكني سأقول فيه قولاً لم يقله نبي لقومه: إنه أعور وإن الله ليس بأعور))(1).
ثم قال صاحب الكتاب: ((هذا حديث صحيح أخرجه البخاري في كتابه)).

وروى أيضاً عن ابن عمر أنه ذكر الدجال عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ((إن الله لا يخفى عليكم إنه ليس بأعور)). وأشار بيده إلى عينيه،
((وإن المسيح الدَّجال أعور عينه اليمنى، كأن عينه عنبة طافية))(2). ثم قال: ((هذا حديث اتفق الشيخان على صحته))(3).

ومما يدل أيضاً على إثبات العين لله تعالى: ما روي في الدعوات:
((احفظنا بعينك التي لا تنام))(4). وأيضاً يقال في العُرف: عين الله عليك.
واعلم أن نصوص القرآن لا يمكن إجراؤها على ظاهرها لوجوه:
الأول: أن ظاهر قوله تعالى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} طه: 39، يقتضي أن يكون موسى عليه السلام مستقراً على تلك العين ملتصقاً بها، مستعلياً عليها، وذلك لا يقوله عاقل.
الثاني: إن قوله تعالى: {وَاصْنَعْ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا} هود: 37، يقتضي أن تكون آلة تلك الصنعة هي تلك العين.
الثالث: أن إثبات الأعين في الوجه الواحد قبيح. فثبت أنه لا بُدَّ من المصير إلى التأويل، وذلك هو أن تُحْمَلَ هذه الألفاظ على شدة العناية والحراسة. والوجه في حسن هذا المجاز: أن من عظمت عنايته بشيء وميله إليه ورغبته فيه كان كثير النظر إليه. فجعل لفظ العين التي هي آلة لذلك النظر كناية عن شدة العناية. وأما هذا الخبر الذي رويناه فمشكل، لأن ظاهره يقتضي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أظهر الفرق بين الإله تعالى وبين الدجال بكون الدجال أعور وكون الله تعالى ليس بأعور، وذلك بعيد. وخبر الواحد إذا بلغ هذه الدرجة في ضعف المعنى وجب أن يُعْتَقَد أن الكلام كان مسبوقاً بمقدمةٍ لو ذُكِرَتْ لزال هذا الإشكال، أليس راوي هذا الحديث هو ابن عمر؟ ومن ثم إن المشهور أن ابن عمر لمَّا روى قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن الميت ليعذب ببكاء أهله))(5)، طعنت عائشة فيه، وذكرت أن هذا الكلام من الرسول كان مسبوقاً بكلام آخر، واحتجت على ذلك بقوله تعالى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}الأنعام: 164، فَلِمَ لا يتمسك بهذا الخبر بقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ويزعم أن هذا الكلام كان مسبوقاً بكلام آخر لو حكي لزال هذا الإشكال فكذا ههنا، إنه من البعيد صدور مثل هذا الكلام عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الذي اصطفاه الله تعالى لرسالته وأمره ببيان شريعته. وبالله التوفيق.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحواشي السفلية والمراجع:
(1) غير صحيح وهو عندنا من الإسرائيليات. رواه البخاري عن ابن عمر في مواضع منها: (3337) ومسلم (169)، وعن أنس بن مالك عند البخاري (7131) ومسلم (2933) وذكر البخاري هناك أنه يروى عن أبي هريرة وابن عباس وكل منهما ممن يروي عن كعب الأحبار. وقال الترمذي (2241): [وفي الباب عن سعد وحذيفة وأبي هريرة وأسماء (بنت يزيد) وجابر بن عبد الله وأبي بكرة وعائشة وأنس وابن عباس والفَلَتان بن عاصم]. وعند أبي داود (4320) عن عبادة بن الصامت وإسناده شامي بل حمصي لا يثبت، وعند ابن ماجه (4077) عن أبي أمامة الباهلي وإسناده شامي واهٍ، وعند أحمد (3/79) عن أبي سعيد الخدري. ولم يخرج الدارمي شيئاً من ذلك.
(2) حديث ابن عمر رواه البخاري (7407) بهذا اللفظ، وحديث ابن عباس رواه أحمد (1/240) وظاهر الإسناد الصحة، لكن ابن عمر وأنس وابن عباس في رهط كانوا يُحدِّثون عن كعب الأحبار وقد تكلمنا على هذا بإسهاب في مقدمة تحقيقنا لكتاب "العلو" للذهبي فارجع إليها هناك إن شئت.
(3) ولا يعني هذا أنه صحيح في الحقيقة! وهو عندنا من جملة الإسرائيليات.
(4) هذا من جملة حديث علمه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لسيدنا علي عليه السلام والرضوان رواه الديلمي في مسند الفردوس (برقم8317)، وهو دعاء مروي عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام كما في المسلسلات وهو في "العجالة في الأحاديث المسلسلة" لشيخنا العلامة ياسين الفاداني رحمه الله تعالى ص (91) وهو الحديث المسلسل بالجيب، ورواه ابن أبي الدنيا في "الفرج بعد الشدة" (برقم75). وقد تلقاه عن آل البيت إبراهيم بن أدهم وكان يحث على الدعاء به دون أن يذكر عمن تلقاه كما تجده في عدة مصادر منها "الحلية" لأبي نُعَيم (8/4-5) و"الزهد والرقائق" للخطيب البغدادي (برقم106). وقد ذكره المزي في ترجمة الإمام الصادق عليه السلام في "تهذيب الكمال" (5/96) والذهبي في "سير أعلام النبلاء" (6/266). والله أعلم بصحته.
(5) رواه البخاري (1304) ومسلم (927) من حديث ابن عمر. لكنه شاذ مردود لا يصح فقد قالت السيدة عائشة كما في البخاري (1288) ومسلم (928): رَحِمَ اللَّهُ عُمَرَ وَاللَّهِ مَا حَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم إِنَّ اللَّهَ لَيُعَذِّبُ الْمُؤْمِنَ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: ((إِنَّ اللَّهَ لَيَزِيدُ الْكَافِرَ عَذَابًا بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ)). وَقَالَتْ حَسْبُكُمْ الْقُرْآنُ {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}. قال ابن أبي مُلَيكَة: والله ما قال ابن عمر شيئاً. يعني أن ابن عمر لم يستطع أن يَرُدَّ عليها وأقرّها على ما قالت. وفي رواية عند مسلم (932) ومالك في الموطأ (553) ((فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَغْفِرُ اللَّهُ لِأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ (أي ابن عمر) أَمَا إِنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ وَلَكِنَّهُ نَسِيَ أَوْ أَخْطَأَ)).
أضف رد جديد

العودة إلى ”تفسير آية أو آيات كريمة“