.
ألفاظ (المجيء والنزول والإتيان) لا تثبت عقيدة التجسيم في حق الله تعالى
من كتاب (تأسيس التقديس)
احتجوا بقوله تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمْ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنْ الْغَمَامِ} البقرة: 210، وبقوله تعالى في الأنعام: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} الأنعام:158، وبقوله: {وَجَاءَ رَبُّكَ} الفجر: 22(1).
واحتجوا من الأخبار بما رواه صاحب شرح السنة رحمه الله في باب ((إحياء آخر الليل وفضله)) عن أبى هريرة وأبي سعد الخدري رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((ما اجتمع قوم يذكرون الله، إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، وتنزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده))(2) ثم قال: ((إن الله تعالى يمهل حتى إذا كان ثلث الليل الأخير ينزل إلى هذه السماء الدنيا فينادي هل من مذنب يتوب؟ هل من مستغفر؟ هل من داع؟ هل من سائل؟ إلى الفجر))(3). ثُمَّ قال صاحب هذا الكتاب: هذا حديث متفق على صحته.
وفي هذا الباب أيضاً عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا: حيث يبقى ثلث الليل الأخير، فيقول من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟))(4). ثم قال: هذا حديث متفق على صحته. وروى أيضاً عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الحديث المذكور، وزاد فيه: ((ثم يبسط يديه تبارك وتعالى فيقول: مَنْ يقرض غير عديم ولا ظلوم؟))(5). وروى صاحب هذا الكتاب في باب ((ليلة النصف من شعبان)) عن عروة عن عائشة قالت: فقدت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلة، فخرجت فإذا هو بالبقيع. فقال: ((أكنتِ تخافين أن يحيف الله عليكِ ورسوله؟ فقلت: يا رسول الله ظننت أنك أتيت بعض نسائك. فقال: إن الله ينزل ليلة النصف من شعبان، فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم بني كلب))(6). والبخاري ضعف هذا الحديث.
واعلم أن الكلام في قوله: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمْ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنْ الْغَمَامِ} البقرة: 210، من وجهين:
الأول: أن نبين بالدلائل القاهرة أنه سبحانه وتعالى منزه عن المجيء والذهاب.
والثانية: أن نذكر التأويلات في هذه الآيات.
أما الوجه الأول: فنقول: الذي يدل على امتناع المجيء والذهاب على الله سبحانه وتعالى وجوه: الأول: ما ثبت في علم الأصول: أن كل ما يصح عليه المجيء والذهاب، فإنه لا ينفك عن الحركة والسكوت وهما محدثان وما لا ينفك عن المُحْدَث فهو مُحدَث. فيلزم: أن كل ما يصح عليه المجيء والذهاب، وجب أن يكون مُحدَثاً مخلوقاً. والإله القديم يستحيل أن يكون كذلك.
والثاني: إن كل ما يصح عليه الانتقال والمجيء، من مكان إلى مكان، فهو محدود متناهٍ فيكون مختصاً بمقدار معين، مع أنه كان يجوز في العقل وقوعه على مقدار أزيد منه أو أنقص منه، فحينئذ يكون اختصاصه بذلك المقدار، لأجل تخصيص مخصص، وترجيح مرجح، وذلك على الإله القديم محال.
والثالث: وهو أنا لو جوَّزنا فيما يصح عليه المجيء والذهاب أن يكون إلهاً قديماً أزلياً، فحينئذ لا يمكننا أن نحكم بنفي إلهية الشمس والقمر.
الرابع: إنه تعالى حكى عن الخليل عليه السلام أنه طعن في إلهية الكواكب والقمر والشمس، بقوله: {لا أُحِبُّ الآفِلِينَ} الأنعام: 76، ولا معنى للأفول إلا الغيبة والحضور. فمن جوَّز الغيبة والحضور على الله تعالى فقد طعن في دليل الخليل وكذَّب الله في تصديق الخليل في ذلك. حيث قال: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ} الأنعام: 83.
وأما الوجه الثاني وهو بيان التأويلات المذكورة في هذه الآية: فنقول: فيه وجهان:
الأول: المراد: هل ينظرون إلا أن تأتيهم آيات الله. فجعل مجيء آيات الله مجيئاً له. على التفخيم لشأن الآيات. كما يقال: جاء الملك. إذا جاء جيش عظيم من جهته. والذي يدل على صحة هذا التأويل: أنه تعالى قال في الآية المتقدمة: {فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمْ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} البقرة: 209، فذكر ذلك في معرض الزجر والتهديد. ثم إنه تعالى أكَّد ذلك بقوله: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمْ اللَّهُ} البقرة: 210، ومن المعلوم: أنه بتقدير أن يصح المجيء والذهاب على الله تعالى لم يكن مجرد حضوره سبباً للزجر والتهديد، لأنه عند الحضور كما يزجر الكُفَّار ويعاقبهم قد يثيب المؤمنين ويكرمهم. فثبت أن مجرد الحضور لا يكون سبباً للزجر والتهديد والوعيد. فلما كان المقصود من الآية، إنما هو التهديد وجب أن يضمر في الآية مجيء الهيبة والقهر والتهديد. ومتى أضمرنا ذلك زالت الشبهة بالكلية. وهذا تأويل حسن موافق
لنظم الآية.
الوجه الثاني: أن يكون المراد: هل ينظرون إلا أن يأتيهم أمر الله، ومدار الكلام في هذا الباب: أنه تعالى إذا أضاف فعلاً إلى شيء فإن كان ظاهر تلك الإضافة ممتنعاً فالواجب صرف ذلك الظاهر إلى التأويل. كما قال العلماء في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ} المجادلة: 5و20، والمراد: يحادون أولياءه، وقد قال الله تعالى: {وَاسْئَلْ الْقَرْيَةَ} يوسف: 82، والمراد: أهل القرية. فكذا قوله تعالى: {يَأْتِيَهُمْ اللَّهُ} البقرة: 210، أي يأتيهم أمر الله. وليس فيه إلا حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، وذلك مجاز مشهور. يقال: ضرب الأمير فلاناً، وأعطاه. والمراد: أنه أمر بذلك.
والذي يؤكد صحة هذا التأويل وجهان: الأول: أن قوله تعالى: {يَأْتِيَهُمْ اللَّهُ} وقوله: {وجاء ربك} إخبار عن حال القيامة. ثم إن الله تعالى ذكر هذه الواقعة بعينها في سورة النحل فقال: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمْ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ} النحل: 33. فصار هذا المحكم مفسِّراً لذلك المتشابه، لأن كل هذه الآيات لما وردت في واقعة واحدة، لم يبعد حمل بعضها على البعض.
والثاني: أنه تعالى قال بعد هذه الآية: {وَقُضِيَ الأَمْرُ} البقرة: 110، ولا شك أن الألف واللام للمعهود السابق. وهذا يستدعي أن يكون قد جرى ذِكْرُ أَمْرٍ قبل ذلك حتى تكون الألف واللام إشارة إليه. وما ذلك إلا الذي أضمرناه من أن قوله: {يَأْتِيَهُمْ اللَّهُ} أي يأتيهم أمر الله.
فإن قيل: أمر الله – عندكم - صفة قديمة. فالإتيان عليها محال. قلنا: الأمر في اللغة له معنيان: أحدهما: الفعل. والثاني: الطريق. قال تعالى: {وَمَا أمْرُنَا إِلا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} القمر: 50، وقال: {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} هود: 97، فيحمل الأمر في هذه الآية على الفعل وهو ما يليق بتلك المواقف من الأهوال، وإظهار الآيات المهيبة، وهذا هو التأويل الأول الذي ذكرناه.
وأما إن حملنا الأمر، على الأمر الذي هو ضد النهي ففيه وجهان:
الأول: أن يكون التقدير هو أن منادياً ينادي يوم القيامة: ألا إن الله يأمركم بكذا وكذا، فيكون إتيان الأمر: هو وصول ذلك النداء إليهم. وقوله: {فِي ظُلَلٍ مِنْ الْغَمَامِ} البقرة: 210، أي مع ظلل. والتقدير: أن سماع ذلك النداء ووصول تلك الظلل يكون في زمان واحد.
الثاني: أن يكون المراد من إتيان أمر الله تعالى في ظلل: حصول أصوات متقطعة مخصوصة في تلك الغمامات دالة على حكم الله تعالى على كل واحد، مما يليق به من السعادة والشقاوة. أو يكون المراد: أنه تعالى خلق نقوشاً منظومة في ظلل من الغمام، وتكون تلك النقوش جلية ظاهرة، لأجل شدة بياض ذلك الغمام، وسواد تلك الكتابة. وهي دالة على أحوال أهل الموقف في الوعد والوعيد وغيرهما. وتكون فائدة الظلل من الغمام: أنه تعالى جعلها أمارة لما يريد إنزاله بالقوم فعنده يعلمون أن الأمر قد قرب وحضر.
الوجه الثالث في التأويل: أن يكون المعنى: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله بما وعد من العذاب والحساب؟ فحذف ما يأتي تهويلاً عليهم. إذ لو ذكر ذلك العذاب الذي يأتيهم به، لكان ذلك أسهل عليهم في باب الوعيد.
وأما إذا لم يذكره كان أبلغ في التهويل لأنه حينئذ تنقسم خواطرهم وتذهب أفكارهم في كل وجه. ومثله قوله تعالى: {فَأَتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا(7) وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الأَبْصَارِ} الحشر: 2، والمعنى: وأتاهم الله بخذلانه من حيث لم يحتسبوا. وكذا قوله تعالى: {فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمْ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمْ الْعَذَابُ} النحل: 26 كالتفسير لقوله: {فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ}. ويقال في الكلام المتعارف المشهور إذا سمع بولاية رجل: جاءنا فلان بجوره وظلمه. ولا شك أنه مجاز مشهور.
الوجه الرابع في التأويل: أن تكون {في} بمعنى الباء، وحروف الجر يقام بعضها مقام البعض، وتقديره: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله بظلل من الغمام والملائكة. والمراد: العذاب الذي يأتيهم في الغمام.
الوجه الخامس: وهو أقوى من كل ما سبق أنا ذكرنا في ((التفسير الكبير)) أن قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} البقرة: 208، إنما نزل في حق اليهود. وعلى هذا التقدير يكون قوله تعالى: {فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمْ الْبَيِّنَاتُ} البقرة: 209، خطاباً مع اليهود. وحينئذِ يكون قوله: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمْ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنْ الْغَمَامِ} البقرة: 210، حكاية عن اليهود. والمعنى: أنهم لا يقبلون دينكم إلا لأنهم ينتظرون أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام. ومما يدل على أن المراد ذلك: أنهم فعلوا ذلك مع موسى عليه السلام فقالوا: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} البقرة: 55. وإذا ثبت أن هذه الآية حكاية عن حال اليهود واعتقادهم لم يمتنع إجراء الآية على ظاهرها. وذلك لأن اليهود كانوا على دين التشبيه وكانوا يجوزون المجيء والذهاب على الله تعالى، وكانوا يقولون: إنه تعالى تجلى لموسى عليه السلام على الطور في ظلل من الغمام فطلبوا مثل ذلك في زمان (سيدنا) محمد عليه السلام. ومعلوم: أن مذهبهم ليس بحجة.
وبالجملة: فالآية تدل على أن قوماً ينتظرون أن يأتيهم الله. وليس في الآية دلالة على أن أولئــك الأقوام مُحِقُّون أو مبطلون. وعلى هذا التقدير زال الإشكال. وهذا هو الجواب المعتمد عن تمسكهم بالآية المذكورة في سورة الأنعام.
فإن قيل: هذا التأويل كيف يتعلق بهذه الآية، لأنه قال في آخرها: {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ} البقرة: 210؟
قلنا: إنه تعالى حكى عنادهم وتوقيفهم قبول الدين الحق على هذا الشرط الفاسد. ثم ذكر بعده ما يجري مجرى التهديد لهم، فقال: {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ}.
وأما قوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} الفجر: 22، فالكلام فيه أيضاً على وجهين: الأول: أن تحمل هذه الآية على باب حذف المضاف. وعلى هذا الوجه، ففي الآية وجوه:
أحدها: وجاء أمر ربك بالمحاسبة والمجازاة.
وثانيها: وجاء قهر ربك. كما يقال: جاءنا الملك القاهر. إذا جاء عسكره.
وثالثها: وجاء ظهور معرفة الله تعالى بالضرورة في ذلك اليوم، فصار ذلك جارياً مجرى مجيئه وظهوره.
والوجه الثاني: إنا لا نحمل هذه الآية على حذف المضاف. ثم فيه وجهان:
الأول: أن يكون المراد من هذه الآية: التمثيل بظهور آيات الله تعالى وتبيين آثار قدرته وقهره وسلطانه. والمقصود: تمثيل تلك الحالة بحال الملك إذا حضر بنفسه فإنه يظهر بمجرد حضوره من آثار الهيبة والسياسة ما لا يظهر بحضور عساكره كلها.
والثاني: إن الرب هو المربي. فلعل ملكاً عظيماً هو أعظم الملائكة، كان مربياً للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان هو المراد من قوله: {وَجَاءَ رَبُّكَ} الفجر: 22 والله أعلم.
وأما الحديث المشتمل على النزول إلى السماء الدنيا. فالكلام عليه من وجهين:
الأول: بيان أن النزول قد يستعمل في غير الانتقال. وتقريره من وجوه:
أحدها: قوله تعالى: {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنْ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} الزمر: 6، ونحن نعلم بالضرورة: أن الجمل أو البقر ما نزلت من السماء إلى الأرض على سبيل الانتقال. وقال الله تعالى: {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ} الفتح: 26، والانتقال على السكينة محال. وقال الله تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ} الشعراء: 193-194، والقرآن سواء قلنا: إنه عبارة عن صفة قديمة أو قلنا إنه عبارة عن الحــرف والصوت، فالانتقال عليه محال. وقال الشافعي المطلبي رضي الله عنه: ((دخلت مصر فلم يفهموا كلامي. فنزلت ثم نزلت)). ولم يكن المراد من هذا النزول: الانتقال.
الثاني: إنه إن كان المقصود من النزول من العرش إلى السماء الدنيا أن يسمع نداؤه فهذا المقصود ما حصل. وإن كان المقصود مجرد النداء سواء سمعناه أو لم نسمعه فهذا مما لا حاجة فيه إلى النزول من العرش إلى السماء الدنيا، بل كان يمكنه أن ينادينا وهو على العرش. ومثله أن يريد من في المشرق إسماع من في المغرب ومناداته فيتقدم إلى جهة المغرب بأقدام معدودة. ثم يناديه وهو يعلم أنه لا يسمعه البتة. فههنا تكون تلك الخطوات عملاً باطلاً وعبثاً فاسداً. فيكون كفعل المجانين فعلمنا أن ذلك غير لائق بحكمة الله تعالى.
الثالث: أن القوم رووا أن كل سماء في مقابلة السماء التي فوقها تكون كقطرة في بحر وكدرهم في مفازة. ثم كل السموات في مقابلة الكرسي كقطرة في البحر، والكرسي في مقابلة العرش كذلك، ثم يقولون إن العرش مملوء منه، والكرسي موضع قدميه، فإذا نزل إلى السماء الدنيا وهي غاية في الصغر، بالنسبة إلى هذا الجسم العظيم، فإما أن يقال: إن أجزاء ذلك الجسم العظيم يدخل بعضها في بعض، وذلك يوجب القول بأن تلك الأجزاء قابلة للتفرق والتمزق، ويوجب القول أيضاً بتداخل الأجزاء بعضها في بعض وذلك يقتضي جواز تداخل جملة العالم في خردلة واحدة، وهو محال. وإما أن يقال إن تلك الأجزاء بليت عند النزول إلى السماء الدنيا وذلك قول بأنه قابل للعدم والوجود. وذلك مما لا يقوله عاقل في صفة الإله تعالى. فثبت بهذا البرهان القاهر: أن القول بالنزول على الوجه الذي قالوه باطل.
الرابع: أنه قد دللنا على أن العالم كُرَة(8). وإذا كان كذلك، وجب القطع بأنه أبداً يكون الحاصل في أحد نصفي الأرض هو الليل، وفي النصف الآخر هو النهار. فإذا وجب نزوله إلى السماء الدنيا في الليل – وقد دللنا على أن الليل حاصل أبداً – فهذا يقتضي أن يبقى في السماء الدنيا إلا أنه يستدير على ظهر الفلك بحسب استدارة الفلك، وبحسب انتقال الليل من جانب من الأرض إلى جانب آخر. ولو جاز أن يكون الشيء المستدير مع الفلك أبداً إلهاً للعالم فلم لا يجوز أن يكون إله العالم هو الفلك؟ ومعلوم أن ذلك لا يقوله عاقل.
النوع الثاني من الكلام في هذا الحديث: بيان التأويل على سبيل التفصيل، وهو أن يحمل هذا النزول على نزول رحمته إلى الأرض في ذلك الوقت. والسبب في تخصيص ذلك الوقت بهذا الفعل وجوه:
الأول : أن التوبة التي يؤتى بها في قلب الليل الظاهر أنها تكون خاليـة من شوائب الدنيـا، لأن الأغيار لا يطَّلعون عليها فتكون أقرب إلى القبول.
[ولهذا جاء لفظ النزول كل ليلة في خبر، وليلة الجمعة في خبر، وليلة النصف من شعبان في خبر، ويوم عرفة في خبر، على قدر منازل الناس في التوبة ودرجاتهم في العبودية](9).
الثاني: أن الغالب على الإنسان في قلب الليل الكسل والنوم والبطالة، فلولا الجد العظيم في طلب الدين، والرغبة الشديدة في تحصيله، لما تحمل مشاق السهر، ولما أعرض عن اللذات الجسمانية، ومتى كان الجد والرغبة والإخلاص أتم وأكمل كان الثواب أوفر.
الثالث: أن الليل وقت الكسل والفتور، فاحتيج في الترغيب في الاشتغال بالعبادة في الليل إلى مزيد أمر مؤثّر في تحريك دواعي الاشتغال والتهجد، فيحسن أن الشارع إنما خص هذا الوقت بمثل هذا الكلام ليكون توفر الدواعي على التهجد أتم .
فهذه الجهات الثلاثة تصلح أن تكون سبباً لتخصيص الشرع هذا الوقت بهذا التشريف. ولأجلها قال الله تعالى: {وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} الذاريات: 18، وقال: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ} آل عمران: 17.
الوجه الرابع: أن يكون المعنى هو إن جمعاً من أشراف الملائكة ينزلون في ذلك الوقت بأمر الله تعالى فأضيف ذلك إلى الله تعالى لأنه حصل بسبب أمر الله تعالى كما يقال: بنى الأمير داراً، وضرب ديناراً. وممن ذهب إلى هذا التأويل: مَنْ يروي الخبر بضم الياء تحقيقاً لهذا المعنى(10).
واعلم أن تمام التقرير في تأويل هذا الخبر: أن من نزل من الملوك عند إنسان لإصلاح شأنه والاهتمام بأمره فإنه يكرمه جداً. بل يكون نزوله عنده مبالغة في إكرامه ولما كان النزول موجباً للإكرام، أطلق اسم النزول على الإكرام. وهذا أيضاً هو المراد بقوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} الفجر: 22 . وذلك لأن الملك إذا جاء وحضر لفصل الخصومات عظم وقعه واشتدت هيبته. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحواشي السفلية والمراجع:
(1) معناه مجيء أمر الله تعالى وآثار قدرته، وقد تبين تأويله في آية أخرى، وهي قوله تعالى {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ} النحل: 33، وقد أوَّلَ أحمد بن حنبل الآية بمجيء الثواب، فقد روى الحافظ البيهقي في كتابه ((مناقب الإمام أحمد)) وهو كتاب مخطوط ومنه نقل الحافظ ابن كثير في ((البداية والنهاية)) (10/327) فقال: [روى البيهقي عن الحاكم عن أبي عمرو بن السمّاك عن حنبل أن أحمد بن حنبل تأوّل قول الله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ} الفجر: 22 أنه: جاء ثوابه.. ثم قال البيهقي: وهذا إسناد لا غبار عليه]. انتهى كلام ابن كثير. وفلسفات ابن تيمية والوهابية في محاولة تضعيفهم لهذا المنقول عن أحمد بن حنبل بابن أخيه حنبل لا قيمة لها.
(2) رواه مسلم (2700) فقط دون البخاري عن أبي هريرة وأبي سعيد.
(3) حديث النزول مروي في الصحيحين ولنا فيه كلام وهذا اللفظ رواه مسلم (758) عن أبي هريرة ولفظه: ((إِنَّ اللَّهَ يُمْهِلُ حَتَّى إِذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الأَوَّلُ نَزَلَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ هَلْ مِنْ تَائِبٍ هَلْ مِنْ سَائِلٍ هَلْ مِنْ دَاعٍ حَتَّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ)). وهذا الحديث لا يصح عندنا وهو من جملة الإسرائيليات المروية عن كعب الأحبار كما سيتبين في التعليق التالي مفصلاً، لكن على قول من يقول بصحته نقول: النزول إنما هو لِمَلَكٍ من الملائكة ينزل بأمر الله تعالى، فقد جاءت روايات صحيحة تثبت ذلك، فرواه النسائي في السنن الكبرى (6/124) من حديث أبي سعيد وأبي هريرة مرفوعاً: ((إنَّ الله تعالى يُمْهِلُ حتى يمضي شطر الليل ثم يأمر منادياً أن ينادي يقول: هل من داع فيستجاب له....)). وإسناده صحيح. ورواه أحمد (4/22و217) والطبراني (9/51) والبزار (4/44كشف الأستار) من حديث عثمان بن أبي العاص بأسانيد صحيحة كذلك أنه (ينادي منادٍ). فهذا كله يعكِّر على المجسمة استدلالهم بالحديث على ما يريدون. ويرد تعليل الألباني المتناقض لحديث النسائي الصحيح بحفص بن غياث وهو ثقة من رجال الصحيحين. وهناك رواية شاذة تمسَّك بها بعض المجسمة وهي من حديث رِفَاعة الجُهَني مرفوعاً: ((إذا مضى من الليل نصفه أو ثلثاه هبط الله إلى السماء الدنيا، ثم يقول: لا أسأل عن عبادي غيري، من ذا الذي يستغفرني؟ أغفر له، من ذا الذي يدعوني أستجب له؟ من ذا الذي يسألني أعطيه حتى يطلع الفجر)). رواها النسائي في "الكبرى" (6/123)، والدارمي (1481) وابن حبان (1/444)، وغيرهم، وقد وقع استدلال المجسمة وتمسكهم بلفظ (لا أسأل عن عبادي غيري) في إثبات أن النازل هو الله تعالى وليس مَلَكاً من الملائكة! مع أنها عبارة ضعيفة الصياغة والمعنى، وهو استدلال باطل فاسد لأن هذا اللفظ لا يثبت وهو من تصرُّف بعض الرواة في حكاية المتن، وهو من طريق هلال بن علي بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن رِفَاعة الجهني، وهلال هذا فيه كلام وهو صاحب حديث الجارية بلفظ (أين الله) وهي من طريق يحيى بن أبي كثير عن هلال هذا أي نفس الإسناد من هذه الجهة وهو مضطرب كما بيناه في التعليق على النص رقم (1) في كتاب "العلو"! والإسناد هنا في حديث النزول هذا غريب فرد تفرَّد به هلال من هذه الجهة، قال الحافظ المزي في ترجمة هلال في "تهذيب الكمال" (30/344) ما نصه : [قال أبو حاتم: شيخ يكتب حديثه. وقال النسائي: ليس به بأس] . قال الذهبي في "السير" (6/360): [قلت: قد علمت بالاستقراء التام أنَّ أبا حاتم الرازي إذا قال في رجل يُكْتَب حديثه أنه عنده ليس بحجة]. وفي كتاب "الجرح والتعديل" (6/109): أنَّ الشيخ هو: ضعيف الحديث. وراوي الحديث الصحابي رِفَاعَة بن عَرَابَة الجُهَني قال الحافظ ابن حجر في ترجمته في "تهذيب التهذيب" (3/244): [وذكر مسلم أن عطاء بن يسار تفرَّد بالرواية عنه]. ورواه الآجُرِّي في "الشريعة" (711) من طريق: [عبد الله بن المبارك قال: حدثنا هشام الدستوائي, عن يحيى بن أبي كثير, عن هلال بن أبي ميمونة, عن رفاعة الجهني. قال ابن صاعد: هكذا قال لنا: عن عبد الله بن المبارك ويقصر من الإسناد عطاء بن يسار]. ثم رواه الآجُرِّي عقبه (برقم712) بسند آخر فقال: [وأخبرنا أبو بكر بن أبي داود قال: حدثنا محمد بن خلف العسقلاني قال: حدثنا رواد بن الجراح قال: حدثنا الأوزاعي, عن يحيى ابن أبي كثير, عن هلال بن أبي ميمونة, عن رِفَاعة الجُهَني]. دون أن يذكر هلالُ عطاءَ بنَ يسار أيضاً. وهذا يبين ضعف رواية هلال بن ميمونة في رواية هذا الحديث واضطرابه! ورواه الطبراني في "الكبير" (5/50/برقم4557) بسند صحيح من طريق هلال بن ميمونة عن عطاء عن رِفَاعة بلفظ: [إذا مضى نصف الليل أو ثلث الليل ينزل الله عز وجل إلى السماء الدنيا فيقول: من هذا الذي يستغفرني فأغفر له؟ من هذا الذي يدعوني فأستجيب له؟ من هذا الذي يسألني فأعطيه؟ حتى ينفجر الفجر]. وليس فيه الجملة التي تشبَّث المجسمة بها وهي: (لا أسأل عن عبادي غيري) وهذا يؤكِّد لنا أن الاضطراب والعلة في هذه الرواية من هلال هذا! وعدم ثبوت هذه الجملة وكونها من الزيادات المردودة لبعض الرواة. ورواه اللالكائي (3/494): [أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، قَالَ: ثَنَا أَبُو الْحَسَنِ هَارُونُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْخَزَّازُ أَمْلَاهُ عَلَيْنَا مِنْ كِتَابِهِ قَالَ: ثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي هِلَالٌ أَنَّ عَطَاءً حَدَّثَهُ أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ حَدَّثَهُ قَالَ:..] فذكره. ورجاله إلى هلال ثقات، وهذا اضطراب في الإسناد يوجب تعليل الحديث. ولا رواية لعطاء عن عقبة بن عامر! ورواه مسلم في صحيحه (758) فقال: [حَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى (بن أبي كثير)، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: ((إِذَا مَضَى شَطْرُ اللَّيْلِ أَوْ ثُلُثَاهُ يَنْزِلُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ هَلْ مِنْ سَائِلٍ يُعْطَى هَلْ مِنْ دَاعٍ يُسْتَجَابُ لَهُ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ يُغْفَرُ لَهُ حَتَّى يَنْفَجِرَ الصُّبْحُ))]. وليس فيه تلك الزيادة. وعلى كل الأحوال فهذه مما يزيد تأكيد الاضطراب والضَّعف في رواية رِفَاعة بن عَرَابَة، أضف إلى ذلك أن فيه ألفاظاً منكرة جداً مثل: (هبط) وكذلك: (لا أسأل عن عبادي غيري) وهي جملة ضعيفة الصياغة، ركيكة غير واضحة المعنى. كما قدَّمنا. والحديث برمته لا نقول بصحته من جميع طرقة وإنما هو مما رويَ عن كعب الأحبار من الإسرائيليات، والله المستعان.
(4) هذا الخبر عندنا كلام إسرائيلي وليس بحديث. رواه البخاري (1077) و (5648) و (6940) ومسلم (1261) عن أبي هريرة مرفوعاً وهو حديث فرد غريب. والحق أنه من كلام كعب الأحبار الذي نقله من التوراة المحرَّفة وليس بحديث وإن روي في الصحيحين!! فقد رواه أبو نُعَيم في "الحلية" (6/4) بسند حسن من كلام كعب الأحبار اليهودي، ولفظه: (عن كعب قال إن لله تعالى ملكاً على صورة ديك رجلاه في التخوم الأسفل من الأرض ورأسه تحت العرش، فما من ليلة إلا والجبار تعالى ينزل إلى السماء الدنيا فيقول ألا من سائل فيعطى ألا من تائب فيتاب عليه ألا من مستغفر فيغفر له). وغاية أمر حديث أبي هريرة الذي في الصحيحين عند من يصححه مرفوعاً من المنزهة أن يذهب إلى أنه صحيح الإسناد ولا يقول بظاهره!! ولذلك نقل النووي في شرحه على صحيح مسلم (6/36) عن جماعات من السلف ومالك والأوزاعي أنها تتأول بنزول رحمته سبحانه، أو كما قال: (على الاستعارة ومعناه: الاقبال على الداعين بالإجابة واللطف).
ولنا فيه كلام طويل سابغ الذيل ذكرنا بعضه في كتبنا وتعليقاتنا السابقة وبعض ذلك في التعليق السابق. والاستدلال بهذا الحديث على أنَّ الله تعالى في السماء أو فوق العرش باطل من وجوه ذكرناها هناك نلخصها هنا بالنقاط التالية:
1- أن في الأخذ بظاهر هذا الحديث إثبات حلول الله تعالى في السماء الدنيا وهي من جملة خلقه، أي حلول الله الخالق المنزه عن المكان في المخلوق المحدود. فصارت السماء إذن أكبرمنه فإذا كانت المسألة عند المجسمة بضخامة الأجسام وكبر حجمها بطل قولهم الله أكبر!! وكل هذا باطل محال!! وقول من قال هنا: (بلا كيف ولا تشبيه ولا تمثيل) لا قيمة له!
ومن العجيب الغريب قول ابن قيم الجوزية الزرعي في "اجتماع الجيوش الإسلامية" (ص 135 برقم 34 بتحقيقنا) -كما ذكرنا في مقدّمتنا على كتاب العلو- (أنَّ الله ينزل فيجلس على كرسيه وله في كل سماء كرسي)! تعالى الله عن هذا الهراء علواً كبيراً!
2- أنه جاءت أحاديث صحيحة تثبت أن النزول هو نزول مَلَك من ملائكة الله تعالى ينادي في الشطر الأخير من الليل بأمر الله تعالى: هل من داع فيستجاب له هل من ذا حاجة.... وهذا رواه النسائي في السنن الكبرى (6/124) من حديث أبي سعيد وأبي هريرة مرفوعاً: ((إنَّ الله تعالى يمهل حتى يمضي شطر الليل ثم يأمر منادياً أن ينادي يقول: هل من داع فيستجاب له....)). وإسناده صحيح. ورواه أحمد (4/22و217) والطبراني (9/51) والبزار (4/44كشف الأستار) من حديث عثمان بن أبي العاص بأسانيد صحيحة كذلك أنه ينادي منادٍ. فهذا كله مما يعكِّر على المجسمة استدلالهم بالحديث على ما يريدون.
3- أنَّ الحافظ ابن حجر ذكر في (( الفتح)) (3/30) أن بعض المشايخ ضبط الحديث الذي أورده المصنف هنا بضم ياء (يُـنْزِل). فتكون لفظة (أنا الملك) من زيادات الرواة قطعاً.
4- أنَّ عقيدة نزول الله حقيقة إلى السماء الدنيا في شطر الليل الآخر باطلة بصريح المعقول، لأنَّ شطر الليل مستمر على وجه الكرة الأرضية طوال الأربع والعشرين ساعة.
وبهذا التقرير رُفِع الإشكال والله المعين.
(5) رواه مسلم (758) عن أبي هريرة بهذا اللفظ، وخبر النزول مردود كما تقدم قريباً.
(6) موضوع. رواه أحمد (6/238)، والترمذي (739)، وابن ماجه (1389)، ونقل الترمذي عقبه أن البخاري ضعفه فقال: ((وسمعت محمداً يضعف هذا الحديث، وقال: يحيى بن أبي كثير لم يسمع من عروة، والحجاج بن أرطأة لم يسمع من يحيى بن أبي كثير)). قال الحافظ الزيلعي في "تخريج الكشاف" (1171): [قال ابن دحية في العلم المشهور:.. وليس في ليلة النصف من شعبان حديث يصح عند أهل التعديل والتجريح انتهى]. فهو منقطع في موضعين، وفيه ضعفاء، وأورده ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (2/556) وقال: (قال الدارقطني: قد رويَ من وجوه وإسناده مضطرب غير ثابت).
(7) وهذه الآية الكريمة من أقوى الأدلة على تأويل إتيان الله تعالى بإتيان أمره. وهي تورث قناعة عقلية تامة في هذا الأمر.
(8) لاحظ هنا أنه من زمن الإمام الفخر الرازي كانت كروية الأرض معلومة عند العلماء وقد دلل عليها هذا الإمام رحمه الله تعالى.
(9) هذه الفقرة موجودة في هامش مخطوطة أسعد أفندي المنسوخة في حياة المؤلف صفحة رقم (147/ب)، ولا وجود لها في النسخة الأخرى. أما النزول كل ليلة فتكلمنا عليه مراراً في هذا الكتاب ونحن نقول بعدم ثبوته، وليلة الجمعة ليس فيها حديث، وليلة النصف من شعبان موضوع كما في التعليق رقم (155)، وأما حديث: (ينزل الله يوم عرفة إلى السماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء) فرواه ابن خزيمة (4/363) وابن حبان (9/164) وأبو يعلى (4/69) وغيرهم عن جابر وفيه محمد بن مروان ضعيف وتركه أحمد بن حنبل وقال أبو زُرْعَة: ليس عندي بذاك. كما في الجرح والتعديل (8/85) وضعفاء العقيلي (4/133)، وفيه علة أخرى وهي عنعنة أبي الزبير عن سيدنا جابر، وهناك رواية في صحيح مسلم (1348) من طريق ابن وهب أخبرني مخرمة بن بكير عن أبيه قال: سمعت يونس بن يوسف يقول عن ابن المسيب قال: قالت عائشة إن رسول الله ’قال: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء..). وهو حديث غير صحيح لا يثبت عندنا، بسبب أن في سنده (مخرمة بن بكير) ومختصر القول فيه: إنه ضعيف كما قال ابن معين، وقال أحمد: لم يسمع من أبيه. ولأحد تلاميذنا الفضلاء جزء في بيان عدم ثبوت حديث مسلم هذا أبدع فيه بنثر الفوائد الحديثية وبيان العلل الخفية لعلنا نجعله مع جملة أجزاء حديثية في آخر هذا الكتاب، والله الموفق.
(10) قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (3/30): [وقد حكى أبو بكر بن فورك أن بعض المشايخ ضبطه بضم أوله على حذف المفعول أي يُنزل مَلَكَاً، ويقويه ما رواه النسائي من طريق الأغر عن أبي هريرة وأبي سعيد بلفظ: ((إن الله يمهل حتى يمضي شطر الليل، ثم يأمر منادياً يقول: هل من داع فيستجاب له..)) الحديث. وفي حديث عثمان بن أبي العاص: ((ينادي مناد هل من داع يستجاب له)) الحديث. قال القرطبي: وبهذا يرتفع الإشكال].
ألفاظ (المجيء والنزول والإتيان) لا تثبت عقيدة التجسيم في حق الله تعالى
-
الباحث المفكر
- مشاركات: 108
- اشترك في: الأربعاء سبتمبر 03, 2025 8:02 pm
