لفظ الحجاب لا يثبت عقيدة التجسيم في حق الله تعالى

القواعد والأصول العقائدية
أضف رد جديد
الباحث المفكر
مشاركات: 108
اشترك في: الأربعاء سبتمبر 03, 2025 8:02 pm

لفظ الحجاب لا يثبت عقيدة التجسيم في حق الله تعالى

مشاركة بواسطة الباحث المفكر »

لفظ الحجاب لا يثبت عقيدة التجسيم في حق الله تعالى

من كتاب (تأسيس التقديس)

قال تعالى: {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} المطففين: 15، قالوا: والحجاب لا يعقل إلا في حق الأجسام.

وتمسكوا أيضاً: بأخبار كثيرة:
الخبر الأول: ما روى صاحب شرح السنة في باب ((الرد على الجهمية)). قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخمس كلمات، فقال: ((إن الله تعالى لا ينام، ولا ينبغي أن ينام، ولكنه يخفض القسط ويرفعه، يُرْفع إليه عمل الليل قبل النهار، وعمل النهار قبل الليل، حجابه من نور، لو كشفه لأحرقت سُبُحَاتُ وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه))(1). قال المصنف: هذا حديث صحيح أخرجه الشيخان. وقوله: ((يخفض القسط ويرفعه)). أراد أنه يراعي العدل في أعمال عباده. كما قال تعالى: {وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} الحجر: 21.
الخبر الثاني: ما يروى في الكتب المشهورة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن لله تعالى سبعين حجاباً من نور، لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه كل ما أدرك بصره))(2).
الخبر الثالث: روي في تفسير قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} يونس: 26، أنه تعالى يرفع الحجاب فينظرون إلى وجهه تعالى(3).

واعلم: أن الكلام في الآية هو: أن أصحابنا رحمهم الله تعالى قالوا: إنه يجوز أن يقال: إنه تعالى محتجب عن الخلق ولا يجوز أن يقال: إنه محجوب عنهم. لأن لفظ الاحتجاب مشعر بالقوة والقدرة، والمحجوب مشعر بالعجز والذلة. يقال: احتجب السلطان عن عبيده. ويقال فلان حجب عن الدخول على السلطان: وحقيقة الحجاب بالنسبة إلى الله تعالى محال. لأنه عبارة عن الجسم المتوسط بين جسمين آخرين. بل هو محمول عندنا: على أن لا يخلق الله تعالى في العين رؤية متعلقة به وعند من ينكر الرؤية على أنه تعالى يمنع وصول آثار إحسانه وفضله عن إنسان(4).

وأما الخبر الأول: وهو قوله عليه السلام: ((حجابه: النور)) فاعلم أنَّ كل شيء يفرض مؤثراً في شيء آخر. فكل كمال يحصل للأثر فهو مستفاد من المؤثر. ولا شك أن ثبوت ذلك الكمال لذلك المؤثر أولى من ثبوته في ذلك الأثر وأقوى وأكمل. ولا شك أن معطي الكمالات ومفيضها بأسرها هو الحق تعالى فكل كمالات الممكنات بالنسبة إلى كمال الله تعالى كالعدم. ولا شك أن جملة الممكنات ليست إلا عالم الأجسام وعالم الأرواح، ولاشك أن جملة كمالات عالم الأجسام بالنسبة إلى كمالات عالم الأرواح كالعدم كما قال تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} المدثر:31، وكمالات عالم العناصر بالنسبة إلى كمالات عالم الأفلاك كالعدم، ثم كمال حال الربع المسكون بالنسبة الى كمال العناصر كالعدم. ثم كمال الشخص المعين بالنسبة إلى كمالات الربع المسكون كالعدم.

فيظهر من هذا أن كمال الإنسان المعين بالنسبة إلى كمال الله تعالى أولى بأن يقال إنه كالعدم. ولا شك أن روح الإنسان وحده لا تطيق قبول ذلك الكمال ولا يمكنه مطالعته. بل الأرواح البشرية بأسرها تضمحل في أدنى مرتبة من مراتب تلك الكمالات. فهذا هو المراد بقوله عليه السلام: ((لو كشفها لأحرقت سُبُحَات وجهه كل شيء أدركه بصره))(5) والله أعلم.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحواشي السفلية والمراجع:
(1) حديث السُّبُحَات هذا انفرد به مسلم (179) من حديث أبي موسى دون البخاري. وذكر مسلم أن الرواة اختلفوا في لفظه فزاد بعضهم ما لم يذكره الآخر، وأن فيه عنعنة الأعمش. وإليكم رواية مسلم بإسناده ومتنه حيث قال: [حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ فَقَالَ: ((إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ حِجَابُهُ النُّورُ)). وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ: ((النَّارُ لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ)). وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ الْأَعْمَشِ وَلَمْ يَقُلْ حَدَّثَنَا، حَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ، وَلَمْ يَذْكُرْ ((مِنْ خَلْقِهِ)). وَقَالَ: ((حِجَابُهُ النُّورُ))]. نبَّه مسلم كما ترى على أن في ألفاظه زيادات وفي أسانيده عنعنات وهذا تعليل منه للحديث أو لتلك الزيادات التي فيه بعد لفظ (النور). كما نبَّه غير مسلم على هذا التعليل، فقال الطيالسي (133-204هـ) في مسنده ص (67 برقم491): [حدثنا شعبة، والمسعودي، عن عمرو بن مرة، سمع أبا عبيدة، يحدث عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه يرفع إليه عمل الليل بالنهار وعمل النهار بالليل)). زاد المسعودي: ((حجابه النار، لو كشفها لأحرقت سُبُحَات وجهه كل شيء أدركه بصره))، ثم قرأ أبو عبيدة {بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين}]. وقد رواه أيضاً أحمد في مسنده (4/405) وابن ماجه (1/70) وابن خزيمة في كتاب "التوحيد" ص (19) وابن حبان (1/499/266) والطيالسي برقم (491) وغيرهم. والحديث عندي باطل موضوع خاصة مع ذِكْر (السُبُحات). وأبو موسى راوي الحديث له علاقة بالإسرائيليات فقد كان يرسل أولاده ليتعلموا من عبد الله بن سلام الإسرائيلي، فقد روى عبد الرزاق في "المصنف" (8/144) بسند صحيح: [عن سعيد بن أبي بردة عن أبي بردة قال: أرسلني أبي إلى عبد الله بن سلام أتعلم منه، فجئته فسألني من أنت؟ فأخبرته، فرحَّبَ بي، فقلت: إن أبي أرسلني إليك لأسألك وأتعلم منك..]. وورد في ترجمة أبي بُرْدة ابن أبي موسى الأشعري أنه يروي عن عبدالله بن سلام الإسرائيلي كما في ((تهذيب الكمال)) (33/66) وروايته عنه في البخاري (3814و7342). وفي ((سير أعلام النبلاء)) (5/6): ((روى سعيد ابن أبي بردة عن أبيه قال: بعثني أبي أبو موسى إلى عبد الله ابن سلام لأتعلَّم منه))]. ورواه ابن سعد (6/268): (عن أبي بُردة قال: أرسلني أبي إلى عبد الله بن سلام أتعلَّم منه، فجئته فسألني: من أنت؟ فأخبرته، فرحب بي، فقلت: إن أبي أرسلني إليك لأسألك وأتعلم منك). هذا وقد تكلمنا عليه فيما علَّقناه على ((دفع شبه التشبيه)) ص (200) وبينَّا هنالك أن جملة ((حجابه النور -وفي رواية النار بدل النور- لو كشفه لأحرقت سُبُحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه)) معلَّة لا تثبت!! وذكرنا هناك أنَّ أبا عبيد القاسم بن سلَّام (157-224هـ) قال: لا تعرف (السُبُحات) في لغة العرب، ولم يُسمع بها إلا في هذا الحديث!! ونصه في كتابه "غريب الحديث" (3/173): (وهذا الحرف قوله: "سُبُحات وجهه" لم نسمعه إلا في هذا الحديث). فالله أعلم من أين أتوا بها! والظاهر أنها من الإسرائيليات!!! على أننا لو أثبتنا الحديث فليس فيه ما يدل على العلو الذي يريده المجسمة!! وذلك لأنَّ استدلالهم هنا وقع في جملة (يُرفع إليه عمل الليل...) وليس في ذلك دلالة على أنَّ الله تعالى في السماء!! لأنَّ الأمر إذا عرض على من هو أعلى في المنزلة يسمَّى رفعاً!! ومنه ترافعوا إلى القاضي؛ ورُفِعَ الأمر إلى السلطان!! ومنه حديث أنس: (( أن رسول الله r لم يُرْفَع إليه قصاص قط إلا أمر بالعفو)) رواه أحمد في مسنده (3/252) ورجاله ثقات. فالملائكة تصعد إلى منازلها في السماء عند صلاة العصر والصبح فيسألهم الله تعالى وهو أعلم بهم كما جاء ذلك في حديث آخر، ولا يعني ذلك أنَّ الله تعالى حال في السماء أو تذهب الملائكة عنده إنما يكلمهم كما كلَّم سيدنا موسى عليه السلام في الأرض، والله تعالى أعلم. والذهبي في "العلو" أخذ هذا الاستدلال من كتب العقائد الفاسدة مثل توحيد ابن خزيمة ص (19-20) وشريعة الآجرّي ص (304) وإيمان ابن منده (2/769-770) وسنة ابن أبي عاصم ص (272) واعتقاد اللالكائي (3/414) ورد عثمان الدارمي وأمثالها من مستودعات الضعاف والمنكرات والواهيات!
(2) لم أقف عليه بهذا اللفظ، ولكن روي بألفاظ أخر، وكلها لا تصح بل هي من باب الموضوع، فمنها ما رواه الدولابي في الكنى (5/426)، والطبراني في الأوسط (6/278) ولفظه: [عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((سألت جبريل عليه السلام هل ترى ربك؟ قال: إن بيني وبينه سبعين حجاباً من نور لو رأيت أدناها لاحترقت))]. ومنها ما رواه العقيلي في الضعفاء (3/152) والروياني في مسنده (1038): [عن سهل بن سعد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:(( دون الله تبارك وتعالى سبعون حجاب من نور وظلمة وما يسمع من نفس شيئاً من حسن ذلك الحجاب إلا زهقت نفسه))]. وهو الحديث رقم (111) في كتاب "العلو" وهو من جملة الموضوعات، قال البيهقي في "الأسماء والصفات" (402) عقبه: ((تفرَّد به موسى بن عبيدة الربذي وهو عند أهل العلم بالحديث ضعيف)). وقال البخاري عن موسى: ((قال أحمد: منكر الحديث)). وكذا قال أبو حاتم. انظر ((تهذيب الكمال)) (29/108). وقد رواه أيضاً عند هؤلاء موسى بن عبيدة عن عمر بن الحكم عن عبدالله بن عمرو، وهذا مما يثبت أنه من الإسرائيليات، وعمر بن الحكم قال عنه العقيلي في "الضعفاء" (3/152): ((حدثني آدم بن موسى قال سمعت البخاري قال: عمر بن الحكم بن ثوبان ذاهب الحديث)). وأورد له هذا الحديث على أنه من منكراته. والحديث أورده الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى في "الموضوعات" (1/116) والسيوطي في "اللآلىء المصنوعة في الأحاديث الموضوعة" (1/14) وأورده ابن عَرَّاق في كتابه: "تنزيه الشريعة المرفوعة من الأحاديث الموضوعة".
(3) هذا التفسير للآية غير صحيح، وقد رواه مسلم في صحيحه (181) مرفوعاً من حديث صهيب وأعَلَّهُ الحفاظ كالترمذي والدارقطني، ولا يثبت، وقد ذكرته في كتاب الرؤية وبينت علته، ومن ذلك: قول الترمذي في السنن (3030) مبيناً علة هذا الحديث: ((حديث حماد بن سلمة هكذا رواه غير واحد عن حماد بن سلمة مرفوعاً، وروى سليمان بن المغيرة هذا الحديث عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قوله ولم يذكر فيه عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم)). وقد ذكر الحافظ الدَّارَقُطني هذا الحديث في كتابه ((التتبع))
ص (210) أيضاً على أنه قول لابن أبي ليلى، فقال: [وأخرج مسلم حديث حماد عن ثابت عن ابن أبي ليلى عن صهيب: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى﴾ مرفوعاً. ورواه حماد بن زيد عن ثابت عن أبي ليلى قوله]. أي أن هذا من كلام أبي ليلى وليس حديثاً عن النبي |.
(4) لاحظ احترام الفخر رحمه الله تعالى لقول المعتزلة وأئمة أهل البيت عليهم السلام.
(5) هذه الجملة تؤكد عندي بطلان الحديث لأن الضمير فيهما كما هو ظاهر عائد على الله تعالى ومعناه منكر.
أضف رد جديد

العودة إلى ”القواعد والأصول العقائدية“