.
لفظ اللقــاء في آيات القرآن والأحاديث ليس دليل إثبات الجسم لله تعالى
من كتاب (تأسيس التقديس)
أما القرآن فقد قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ} البقرة: 46، وقال: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ} الكهف: 110، وقال: {بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ} السجدة: 10.
وأما الحديث فقد قال عليه السلام: ((من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه))(1). قالوا: واللِّقاء من صفات الأجسام، يقال: التقى الجيشان. إذا قرب أحدهما من الآخر في المكان.
واعلم أنه لما ثبت بالدليل أنه تعالى ليس بجسم، وجب حمل هذا اللفظ على أحد وجهين:
أحدهما: أنَّ مَنْ لقي إنساناً فقد أدركه وأبصره، فكان المراد من اللقاء: هو الرؤية. إطلاقاً لاسم السبب على المسبب.
والثاني: أنّ الرجل إذا حضر عند مَلِكٍ ولقيه دخل هناك تحت حكمه وقهره، دخولاً لا حيلة في دفعه. فكان ذلك اللّقاء سبباً لظهور قدرة الملك عليه - على هذا الوجه - فلما ظهرت قدرته وقوته وقهره وشدة بأسه في ذلك اليوم عبَّر عن تلك الحالة باللقاء. والذي يدل على صحة قولنا: أن أحداً لا يقول بأن الخلائق تُلاقى ذواتهم في ذات الله تعالى على سبيل المماسة. ولما بطل حمل اللقاء على المماسة والمجاورة، لم يبق إلا ما ذكرناه. وبالله التوفيق(2).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحواشي السفلية والمراجع:
(1) رواه البخاري (6507)، ومسلم (2683) من حديث سيدنا عبادة بن الصامت رضي الله عنه مرفوعاً.
(2) قلت في رسالة الرؤية: [واستدل بعض الناس على الرؤية بقوله تعالى: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ} الأحزاب: 44، وقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا} الكهف: 110، وغيرها من الآيات التي ذُكر فيها اللِّقاء، وبينت أن لفظ اللقاء لا يفيد الرؤية، فلو كان لفظ في اللقاء يدلُّ على أن المؤمنين يرون الله تعالى لوجب أن يدل مثل قوله تعالى: {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ} التوبة: 77، على أن المنافقين يرونه وهم لا يقولون بذلك لأن {الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ}النساء: 145، وقد قال الله في هؤلاء وأمثالهم {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} المطففين:15، فكيف يرون الله تعالى! وأما قوله تعالى عن الموت: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَتَمَنَّوْن الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ}آل عمران:143، هم لم يروه ولم ينظروه بل ذاقوه! وكل ذلك مجاز ولا يراد منه الرؤية البصرية! قال ابن الوزير حاكياً الجواب في ذلك في كتابه ((العواصم والقواصم)) (5/230): [والأصل في الجواب عن ذلك أن اللقاء ليس هو بمعنى الرؤية، ولهذا استعمل أحدهما حيث لا يستعمل الآخر، وعلى هذا فإن الأعمى يقول: لقيت فلاناً، وجلست بين يديه وقرأت عليه، ولا يقول رأيته، وكذلك يسأل أحدهم غيره، هل لقيت الملك؟ فيقول: لا ولكني رأيته على القصر]. ولقاؤه تعالى بالنسبة للمؤمنين هو إثابته لهم، ولقاؤه سبحانه للمنافقين والكافرين هو عقابهم أي لقاء عقابه أو لقاء ملائكته سبحانه. وينبغي التدبر في مثل قوله تعالى:{فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا﴾ الأعراف: 51، وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} الأعراف: 147، فهذا كله لا يفيد الرؤية البتة].
لفظ اللقــاء في آيات القرآن والأحاديث ليس دليل إثبات الجسم لله تعالى
-
الباحث المفكر
- مشاركات: 108
- اشترك في: الأربعاء سبتمبر 03, 2025 8:02 pm
