.
تفسير معنى لفظ الصمد في قوله: {اللَّهُ الصَّمَدُ} وبيان عدم ثبوت التجسيم في معناه
من كتاب ( تأسيس التقديس)
قال الله تعالى: {اللَّهُ الصَّمَدُ}الإخلاص:2، ذكر بعضهم في تفسير الصمد: أنه الجسم الذي لا جوف له. ومنه يقال لسدّاد القارورة: الصِّمَاد. وشيء مصمد أي صلب، ليس فيه رخاوة. قال ابن قتيبه: ((وعلى هذا التفسير تكون الدال مبدلة بالتاء)). وقال بعضهم: ((الصمد الأملس)) من الحجر الذي لا يقبل الغبار، ولا يدخل فيه شيء، ولا يخرج منه شيء.
واحتج قوم من جهال المشبهة بهذه الآية في إثبات أنه تعالى جسم. وهذا باطل. لأنا بينا: أن كونه أحداً ينافي كونه جسماً، فمقدمة هذه الآية دالة على أنه لا يمكن أن يكون المراد من الصمد هذا المعنى، ولأن الصمد بهذا التفسير صفة الأجسام الغليظة. وتعالى الله عن ذلك.
والجواب عنه من وجهين: الأول: إن الصمد فعل بمعنى مفعول، من صمد إليه أي قصد. والمعنى: أنه المصمود إليه في الحوائج. قال الشاعر:
أَلا بَكَّرَ النَّاعي بخَيْرَيْ بَني أَسَدْ بعَمْرو بنِ مَسْعُود وبالسَّيد الصَّمَدْ(1)
وقال آخر:
عَلَوْتُــه بِحُسامٍ ثم قُلْتُ لــــــــه خُذْها حُذَيفُ فأَنْتَ السَّيِّدِ الصَّمَدُ(2)
والذي يدل على صحة هذا الوجه: ما روى ابن عباس رضي الله عنه أنه لما نزلت هذه الآية قالوا: ما الصمد؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ((السيد الذي يصمد إليه في الحوائج))(3). قال أبو الليث: صمدت صمد هذا الأمر، أي: قصدت قصده.
الوجه الثاني في الجواب: أنا سلمنا أن الصمد في أصل اللغة: المصمت الذي لا ينفذ فيه شيء غيره ولا ينفصل عنه شيء البتة. إلا أنا نقول: قد دللنا على أنه لا يمكن ثبوت هذا المعنى في حق الله تعالى، فوجب حمل هذا اللفظ على مجازه. وذلك لأن الجسم الذي يكون هذا شأنه يكون مبرأ عن الانفصال والتباين عن الغير. وهو سبحانه وتعالى واجب الوجود لذاته، وذلك يقتضي أن يكون تعالى غير قابل للزيادة والنقصان. فكان المراد من الصمد في حقه تعالى هذا المعنى. وبالله التوفيق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحواشي السفلية والمراجع:
(1) استشهد بهذا البيت سيدنا ابن عباس في حوار مع نافع بن الأزرق الخارجي كما رواه الطبراني في معجمه الكبير (10/248)، والبيت لهند بنت زمعة الأسدية ترثي به عمرو بن مسعود وخالد بن نضلة.
(2) هذا البيت لعمرو بن الأسلع العبسي، وهو الذي قتل حذيفة بن بدر الفزاري، قتله هو والحارث بن زهير جميعاً، تعاوراه بسيفيهما فقتلاه. انظر "اللآلي في شرح أمالي القالي" (2/932)، و "نهاية الأرب في فنون الأدب" (15/277) لشهاب الدين النويري.
(3) ليس هذا بحديث ولم أقف عليه بأنه حديث. وإنما هو تفسير لغوي.
تفسير معنى لفظ الصمد في قوله: {اللَّهُ الصَّمَدُ} وبيان عدم ثبوت التجسيم في معناه
-
الباحث المفكر
- مشاركات: 108
- اشترك في: الأربعاء سبتمبر 03, 2025 8:02 pm
