لفظ القُرْب في آيات القرآن الكريم لا تدل على عقيدة التجسيم

القواعد والأصول العقائدية
أضف رد جديد
الباحث المفكر
مشاركات: 108
اشترك في: الأربعاء سبتمبر 03, 2025 8:02 pm

لفظ القُرْب في آيات القرآن الكريم لا تدل على عقيدة التجسيم

مشاركة بواسطة الباحث المفكر »

.
لفظ القُرْب في آيات القرآن الكريم لا تدل على عقيدة التجسيم

من كتاب (تأسيس التقديس)

قال الله تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} ق: 16، وقال عليه السلام حكاية عن الله تعالى: ((مَنْ تقرَّب إليَّ شبراً تقربت إليه ذراعاً، ومن تقرب إليَّ ذراعاً تقربت إليه باعاً، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة))(1). وروى الأستاذ أبو بكر ابن فورك في كتاب ((تأويل المتشابهات)) عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((يدنو المؤمن من ربه يوم القيامة حتى يضع الجبار كَنَفَهُ عليه، فيقرّره بذنوبه، فيقول له هل تعرف فيقول: ربي أعرف - ثلاث مرات - فيقول تعالى: إني سترتها عليك في الدنيا، وإني أغفرها لك. فيعطى صحيفة حسناته. وأما الكفار والمنافقين فينادى بهم على رؤوس الأشهاد: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم))(2).

واعلم أن المراد من قربه ومن دنوه: قرب رحمته ودنوها من العبد. وأما قوله: ((فيضع الجبار كنفه عليه)) فهو أيضاً مستفاد من قرب الرحمة. يقال: أنا في كنف فلان، أي في إنعامه، وأما ما رواه بعضهم ((فيضع الجبار كتفه)) فاتفقوا على أنه تصحيف، والرواة ضبطوها بالنون، ثم إن صحت تلك الرواية فهي محمولة على التقريب بالرحمة والغفران، والله أعلم.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحواشي السفلية والمراجع:
(1) رواه البخاري (7405) ومسلم (2675) عن أبي هريرة قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يقول الله تعالى: ((أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً)). وجملة النفس التي فيه لا تصح كما في التعليق (132). قال الترمذي في سننه (3603): [وَيُرْوَى عَنْ الْأَعْمَشِ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ: مَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا يَعْنِي بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ. وَهَكَذَا فَسَّرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ هَذَا الْحَدِيثَ قَالُوا: إِنَّمَا مَعْنَاهُ يَقُولُ: إِذَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ الْعَبْدُ بِطَاعَتِي وَمَا أَمَرْتُ أُسْرِعُ إِلَيْهِ بِمَغْفِرَتِي وَرَحْمَتِي. وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ قَالَ اذْكُرُونِي بِطَاعَتِي أَذْكُرْكُمْ بِمَغْفِرَتِي]. فهنا يُفَسِّر الترمذي وينقل التفسير عن بعض أهل العلم وعن الأعمش وسعيد بن جبير وهؤلاء من السلف (!) وينقل أيضاً تفسيرها في مواضع عديدة في سننه، مع أنه يقول في موضع آخر من سننه أن مثل هذه الأمور (لا تُفَسَّر) فانتبهوا. وقال الحافظ ابن حبان مؤوِّلاً له أيضاً في صحيحه (3/93): [الله أجل وأعلى من أن يُنْسب إليه شيء من صفات المخلوق، إذ ليس كمثله شيء، وهذه ألفاظ خرجت من ألفاظ التعارف على حسب ما يتعارفه الناس مما بينهم، ومن ذكر ربه جل وعلا في نفسه بنطق أو عمل يتقرب به إلى ربه ذكره الله في ملكوته بالمغفرة له تفضلاً وجوداً، ومَن ذَكَر ربَّه في ملأ من عباده ذكره الله في ملائكته المقربين بالمغفرة له وقبول ما أتى عبده من ذكره، ومَنْ تقرَّب إلى الباري جل وعلا بقدر شبر من الطاعات كان وجود الرأفة والرحمة من الرب منه له أقرب بذراع، ومَنْ تقرَّب إلى مولاه جل وعلا بقدر ذراع من الطاعات كانت المغفرة منه له أقرب بباع، ومَنْ أتى في أنواع الطاعات بالسرعة كالمشي أتته أنواع الوسائل ووجود الرأفة والرحمة والمغفرة بالسرعة كالهرولة، والله أعلى وأجل]. وربما يكون هذا الحديث مما تلقوه عن أهل الكتاب وصُيِّرَ حديثاً فيما بعد. وحديث الهرولة هذا مروي في البخاري من حديث أبي هريرة (7405) ومن حديث أنس بن مالك (7536) والحقيقة أنه حديث واحد رواه سيدنا أنس عن أبي هريرة كما تبين من رواية مسلم (2675) حيث قال مسلم: [حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارِ بْنِ عُثْمَانَ الْعَبْدِيُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ وَابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ سُلَيْمَانَ وَهُوَ التَّيْمِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ..] به. وإذا كان أبو هريرة قد رواه عن كعب الأحبار فيكون سيدنا أنس قد رواه عنه ثم صُيِّرَ بعد ذلك حديثين ثم صار لكل واحد منهما طُرُق عِدَّة ثم يجعلونه متواتراً ويقاتلون من أنكر حديثاً متواتراً أو مشهوراً بزعمهم!
(2) رواه البخاري (2441) ومسلم (2768) عن ابن عمر، قال البيهقي في "الأسماء والصفات" (1/151): [وقوله في الحديث: (يدني منه المؤمن) يريد به يُقَرِّبُهُ من كراماته، وقوله: (فيضع عليه كنفه) يريد به عطفه ورأفته ورعايته والله أعلم]. قال البخاري في "خلق أفعال العباد" (133): [قال ابن المبارك: كنفه: يعني سَتْرَه]. فهذا تأويل وتفسير من ابن المبارك ومثله للبيهقي في كتابه "الأسماء والصفات". وهذا يرد على ما نقله الترمذي (2557) عن ابن المبارك وغيره أن هذه النصوص (تُمَرُّ ولا تُفَسَّر) (!!) ولا يجوز الأخذ بمثل هذا الحديث في العقائد والتوحيد. فهذه التأويلات عن ابن المبارك والبيهقي وكذلك التأويلات المذكورة في التعليق السابق والتالي تنسف نظرية (لا تُفَسر) التي نقلها الترمذي في سننه وخالفها فَفَسَّرَ ونقل عن بعض أهل العلم من السلف تفسير وتأويل كثير منها.
أضف رد جديد

العودة إلى ”القواعد والأصول العقائدية“