معنى قوله تعالى: {فلما تجلى ربه للجبل} لا يعني أن معنى التجلي: الرؤية.
قال سماحة السيد حسن السقاف:
من حصر معنى (التجلي) بالرؤية فقد أخطأ!!
وتقول عندما تشرح مسألة لشخص: هل تجلَّت لك المسألة وظهرت؟ فيقول نعم، فهو لم يرها ولكنه فهمها.
و(تجلى ربه للجبل) لا يعني الرؤية لأن الجبل جماد، وقد أجرى الله تعالى أن الجماد لا يرى، ولا له خصائص الأحياء حتى يرى.
والمعنى الصحيح أدق وأوسع وأعمق من هذا.
المعنى الصحيح باختصار أن الله تعالى لما تجلى للجبل بقدرته وأمره دكه دكاً!
قال الحافظ أبو حيان في "البحر المحيط" (5/166):
[وَالتَّجَلِّي بِمَعْنَى الظُّهُورِ الْجِسْمَانِيِّ مُسْتَحِيلٍ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى...
وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: الْمَعْنَى ظَهَرَ لِلْجَبَلِ مِنْ مَلَكُوتِ اللَّهِ ما تدكدك بِهِ].
وقال الراغب في "مفردات القرآن" في مادة (جلو):
[والتَّجَلِّي قد يكون بالذات نحو: {وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى}، وقد يكون بالأمر والفعل، نحو: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ}].
فالنهار يتجلى أي ينتشر نوره وقد لا تره حين ينتشر نوره بسبب النوم أو وجود الإنسان في مكان لا يرى فيه ضوء الشمس.
وقال البيضاوي في تفسيره (3/33):
[فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ ظهر له عظمته وتصدى له اقتداره وأمره].
وقال الأخفش في "معاني القرآن" (1/336):
[وقال {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} يقول "تَجَلّى أَمْرُهُ"].
وقال أبو السعود في تفسيره (3/269):
[{فَلَمَّا تجلى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} أي ظهرت له عظمتُه وتصدّى له اقتدارُه وأمرُه].
وقال حقي في تفسيره (4/265):
[{إنى أعظك أن تكون من الجاهلين } حين سأل إنجاء ابنه من الغرق {فلما تجلى ربه للجبل} ظهر له عظمته وتصدى له اقتداره وأمره ومعنى ظهور ذاته للجماد غير معقول].
ومن الخرافات حقاً قول صاحب الجلالين:
[{فَلَمَّا تَجَلَّى رَبّه} أَيْ ظَهَرَ مِنْ نُوره قَدْر نِصْف أُنْمُلَة الْخِنْصَر كَمَا فِي حَدِيث صَحَّحَهُ الْحَاكِم].
أي: أن الله تعالى نور (مع أنه متعال ومنزه عن النور والظلمة) وأنه أظهر من ذاته النورانية بمقدار نصف رأس الإصبع الصغير!!
والحديث من الخرافات ويكفي أنه من رواية حماد بن سلمة وقد تكلمنا عليه في عدة مواضع من كتبنا وفصّلنا حاله، وهو مما لا يعول عليه في هذه المضائق لأنها من جملة تخريفاته!
وقد أورد الحافظ ابن الجوزي حديثه هذا في كتابه "الموضوعات" (1/122) فقال:
[وهذا لا يثبت. قال ابن عدي الحافظ: كان ابن أبي العوجاء ربيب حماد بن سلمة فكان يدس في كتبه هذه الأحاديث].
وروي الحديث عن ابن عباس وفي سنده طلحة بن عمرو المكي وهو متروك كما في "مجمع الزوائد" (7/95) للحافظ الهيثمي.
وترجمته سيئة جداً في "تهذيب التهذيب" (5/21) للحافظ ابن حجر وفيها أن أحمد بن حنبل وابن معين قالا فيه إنه لا شيء. أي تالف بالمرة، ورماه ابن الجوزي بوضع حديث الخبز.
والله تعالى أعلم.
معنى قوله تعالى: {فلما تجلى ربه للجبل} لا يعني أن معنى التجلي: الرؤية.
-
- Posts: 937
- Joined: Sat Nov 04, 2023 1:45 pm