تزييف القول:( إن الحكمة تتبع أفعال الله تعالى وليست صفة قديمة ):

مسائل وقضايا التوحيد والإيمان
Post Reply
عود الخيزران
Posts: 937
Joined: Sat Nov 04, 2023 1:45 pm

تزييف القول:( إن الحكمة تتبع أفعال الله تعالى وليست صفة قديمة ):

Post by عود الخيزران »

تزييف القول:( إن الحكمة تتبع أفعال الله تعالى وليست صفة قديمة ):

قال سماحة السيد حسن السقاف:

فقول بعضهم إن الحكمة تتبع أفعال الله تعالى وليست صفة قديمة قول مردود، فالحق أن ورود النصوص في مثل قوله تعالى: ﴿ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ وقوله : ﴿إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ يدل على أنها صفة قديمة، وأن الله متصف في الأزل بأنه حكيم قبل الخلق والأفعال، وبالتالي فهي سابقة على الأفعال لأن الله تعالى منعوت بكونه حكيما قبل الأفعال، وقبل إيجاد الخلق. فالأفعال تتبع الحكمة أي كونه تعالى حكيماً وليس العكس.

وقال الراغب الأصبهاني في مفردات القرآن": [ والحكمة: إصابة الحق بالعلم والعقل، فالحكمة من الله تعالى: معرفة الأشياء وإيجادها على غاية الإحكام، ومن الإنسان معرفة الموجودات وفعل الخيرات... فإذا قيل في الله تعالى هو حكيم فمعناه بخلاف معناه إذا وصف به غيره، ومن هذا الوجه قال الله تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ وإذا وصف به القرآن فلتضمنه الحكمة، نحو : الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ.... وقيل: معنى الحكيم المحكم، نحو: أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ، وكلاهما صحيح، فإنه مُحْكَم ومفيد للحكم، ففيه المعنيان جميعا، والحكم أعـم من الحكمة، فكل حكمة حكم، وليس كل حكم حكمة، فإنّ الحكم أن يقضى بشيء على شيء، فيقول: هـو ليس بكذا ] (١)

وقال الإمام الناصر لدين الله إبراهيم بن محمد المؤيدي (ت ۱۰۸۳هـ) : [ الحكمة هي : كل فعل حسن الفاعله فيه غرض صحيح، هذا إذا رجع بهذا الوصف إلى الفعل وهو الغرض، فإن رجع به إلى الذات فالحكمة بمعنى العلم، وعليه حمل قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ البقرة : ٢٦٩ وقد اتفق أهل الإسلام على وصفه تعالى بأنه حكيم، ثم اختلفوا في المعنى فقال أهل العدل: لا يفعل الله تعالى الفعل إلا لغرض أي لمقصد، فلا يثيب أحداً إلا بعمله ولا يعاقب أحداً إلا بذنبه ، لقوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى }النجم : ٣٩، وقالت المجبرة: يجوز أن يفعل لا لغرض، بل يجوز أن يعذب الأنبياء ويثيب الأشقياء]. وتقدم الكلام على الصفة السابقة صفة (الصدق) وأنها تقتضي تحريم الظلم، ومنه عدم صحة نظرية إثابة العاصي وتعذيب المطيع بما أغنى عن إعادته هنا، ويكفي فيه قوله تعالى : {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}هود: ۱۱۷ . وقوله: {ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ }الأنعام: ۱۳۱ . وتعالى الله عن الظلم وأن لا تكون له حكمة في الصنع والفعل (وبذلك يظهر لنا أن معنى الغرض ليس لفائدة تعود على المولى أو مصلحة له تعالى وإنما يظهر به إتقان صنعه تعالى وبعده عن العبث أو المصلحة تعود على العباد والخلق).
فالحكمة إذا وضع كل شيء في موضعه بدقة، ومنه إتقان الصنع، والعدل في الحكم، {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْء }النمل : ۸۸. فعدم وصفه تعالى بأنه حكيم يلزم منه اتصافه سبحانه بالعبث ونحوه وهو محال في حقه تعالى عقلاً ونقلاً.


الحواشي السفلية:
(١) قال العلامة السيد الزبيدي في "تاج العروس من جواهر القاموس " ( ٣١ / ٥١٢ ) في مادة (حكم ) : [ (و) الحِكْمَةُ: (العِلْمُ) بحقائق الأَشياء على مَا هِيَ عَلَيْهِ ، والعَمَلُ بُمُقْتَضاها، وَلِهَذَا انقسمت إِلَى عِلْمِيَّةٍ وَعَمَلِيَّة ... فالحِكْمَةُ من اللهِ : مَعْرِفَةُ الأَشْيَاءِ وَإِيجَادُها على غايَةِ الإحكام، وَمِن الْإِنْسَان : مَعْرِفَتُه وفِعْلُ الخَيْرات. (و) قد وَرَدَت الحِكْمَةُ بِمَعْنى (الحِلْم) وَهُوَ ضَبْطُ النَّفْسِ والطَّبْعِ عَن هَيَجَانِ الغَضَبِ، فَإِن كَانَ هَذَا صَحِيحا فَهُوَ قَرِيبٌ من معنى العَدْل. (و) قوله تعالى: ﴿وَيُعَلِّمُهُ الكِتَبَ وَالْحِكْمَةَ ، وَقَولِه تَعَالَى: ﴿وَآتَهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ . وَقَوله تَعَالَى: ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَة . فالحِكْمَة فِي كلِّ ذلِكَ بِمَعْنَى (النُّبُوَّة) والرسالة). وفي "لسان العرب" (١٢ / ١٤٠): والحِكْمَةُ عِبَارَةٌ عَنْ مَعْرِفَةِ أَفْضَلِ الأَشياء بِأَفْضَلِ الْعُلُومِ. وَيُقَالُ لِمَنْ يُحْسِنُ دَقَائِقَ الصناعات ويُتقنها : حَكِيمٌ ... قال الْجَوْهَرِيُّ : الحُكْم الحِكْمَةُ مِنَ الْعِلْمِ ، والحَكِيمُ العالِم وَصَاحِبُ الحِكْمَة .. والحُكْمُ : العِلْمُ وَالْفِقْهُ وَالْقَضَاءُ بِالْعَدْلِ ].
Post Reply

Return to “مسائل وقضايا التوحيد والإيمان”